ولم ينصَّ أحدٌ من المشايخ على صحةِ هذه الروايةِ ورجحانِها. فينزل بمنزلة المجهول من الرواية؛ ومن يكن بهذه المثابة لا يجوز العملُ بروايته. ومعلومٌ أن مكحولًا لم يكن من أهل القرون المعدّلة. ولم تشتهر روايتُهُ في السلف [أي سلف أئمة المذهب] ليُقرَّ عليها. فلا يجبُ العملُ بروايتِه، بل لا يجوزُ، حتى قالَ الأصوليونَ من أصحابنا: إنَّ روايةَ مثل هذا المجهولِ في زماننا لا يُعمَلُ بها، وإذا كانَ كذلكَ في روايةِ الأخبارِ فكذا في روايةِ الأحكامِ الدينيةِ؛ إذ لا فرقَ بينهما في العمل بها. وأيضًا فإنّ ظاهر ما روي عن مكحول يدلُّ على أنه أدرك أبا حنيفةَ، فلزِمَ القائلَ بصحَّة روايتِه أحدُ الأمرين، وهو: إما أن يبين إدراكَه لأبي حنيفةَ، أو يبينَ الرواةَ الذين بينَه وبينَ أبي حنيفةَ؛ لتصحَّ روايتُهُ. وكذا من نقَلَ تلكَ الروايةَ عن مكحولٍ من المشايخِ المتأخرين كالصدرِ الشهيدِ وغيرهِ، ومعلومٌ أنهم لم يُدركوا مكحولًا، فيلزمُ أيضًا أن يَبينَ إدراكُهم إيَّاهُ، أو يَبِينَ الرواةُ الذينَ بينَهم وبينَ مكحولٍ، وإذا تعذرَ ذلك كانت تلك الروايةُ منقطعةَ الإسنادِ من الطريقينِ الأعلى والأسفلِ، فيتطرقُ الطعنُ إليها بهذا الاعتبار. وكذا نقول في سائرِ الرواياتِ المخالفةِ لظاهرِ المذهبِ - اللهم إلا أن يُنَصَّ على صِحَّتِها والعملِ بها [فيعمل بها] باعتبار التنصيصِ على صحتها، لا باعتبار ذاتها، وليسَ هذا من بابِ الإرسالِ؛ لما بينا أنّ مكحولًا لم يكن من أهلِ القرونِ المعدّلة ليُقبَلَ إرسالُه، ولم يروِ أحدٌ عن مكحولٍ هذه الرواية مسندةً عن الإمامِ ولا مرسلةُ لتَقوَى روايتُهُ. انتهى ملخصًا.). (١) في (س) و (ص): (يجزئه). (٢) سقط من (ص): (في).