بيدَ أن هذا الانتسابَ لا ينبغي أن تشوبَهُ شائبةُ التعصّبِ؛ فإنكارِ الغيرِ؛ أو الانتقاص منه! بل هو انتسابٌ مدرسيٌّ يوقّر فيه من اختار انتسابًا آخرَ غيرَ انتسابِهِ، لأنّه منتسبٌ إلى أهل الفضل مثلَه، لكنّه يُنكِرُ على من يدعُ الالتزامَ بمدرسةٍ ومنهجٍ منقّحٍ رصينٍ، ليلتحقَ بشذّاذٍ ارتأوا أن يشقّوا بأنفسهم أعسرَ طريقٍ استغرقَ فتحُهُ في أوّل عصورِ الإسلام نحوًا من مائةٍ وخمسينَ سنةً، حتّى تمّ ذلك في الجيل العلميِّ الرابعِ أو الخامسِ من أجيال الأمّة، وما تمّ إلا بتراكمٍ معرفيّ، وتلاقحٍ فكريّ، واتصالٍ زمانيّ و مكانيّ، نفقدُه اليوم أو نكاد!
إنّ نظرةً عجلى في كتب التاريخ تعرّف الناظر إلى الانسجام الكبير بين أئمّة المذاهب وبين أتباعهم وتقديرَهم لبعضهم، ومن الظلم لهذه المدارس الفكريّة التي بنيت عليها حضارة الأمّة - حيث كانت هي نظام الحكم - أن نقرأ عنها لماماتٍ من التاريخ تصارع فيها بعض المنتسبين إليها سياسيًّا في بعض البلاد وبعض الأزمنة؛ التي لم تتجاوز عشرات السنين؛ فنسحب ذلك على أصل الانتساب إليها، ونلحق بالمذاهب عار الشقاقِ السياسيّ والحياتيّ بين أفراد من الأمّة حين تعاندوا؛ فنتج تفرّق صفّهم عن تنازعهم السياسيّ والحياتيّ لا عن انتمائهم الفقهيّ المذهبيّ، ففرح بذلك بعض دعاة ترك المذهبيّة والنزوع إلى فرقة الأمة وعدم انضباطها، فحملوا الاختلاف على المذاهب، وجعلوها سببًا فيه.
إنّ المذاهب الإسلاميّة حصنُ الأمّة من الانجرار خلفَ غالٍ محرّفٍ أو مبطلٍ منتحل أو جاهل مؤوّلٍ على وجهٍ لا يصحّ تأويلُ النصوصِ إليه!
وقد خصّ الله تعالى مذهب أبي حنيفة النعمان بالتطبيق في الأرض دهورًا، فحكمت به الدولة العبّاسيّة قرونًا، ثمّ حكمَت به الدولة العثمانيّة قرونًا، ولم يخل