هذا وقد اقتفى سنن الملوك الماضية، في الاعتناء بمآثر المعروف الباقية والاحتفال من صالح الاعمال بما لا ينقطع ثوابه من علم ينتفع به، أو صدقة جارية، فابتنى المدرسة الغراء التي عز في الوجود نظيرها، وراق منظرها وأبهج نضيرها، فصافحت كف الثريا بكف منارها، وسامت النسر الطائر في الارتفاع برفيع مطارها، وحطت بالتخوم أساسها فرست، وتوالت مياه السقي على قلوب حجارتها المتراكبة فقسمت، واشتملت من ابداع الصنعة على ما يزرى بشداد بن عاد، وفازت من أحاسن المحاسن بما لو رآه ارم لقال ليتني لم أشرع في بناء ذات العماد.
أحكام صنعتها شداد يغبطه ... ومن تشيدها الاهرام في خجل
وحازت من نفيس الرخام ما يهزأ بالجواهر، فأتت فيه من بديع الرونق بما لو عاينه السابق لقال كم ترك الأول للآخر:
فلا اللئالئ من حسنٍ تقاربه ... ولا اليواقيت في وصفٍ تدانيه
وأودعت من نفائس الكتب ما يتنافس فيه المتنافسون، وانفردت من نوادر المصنفات بما لم يشاركها فيه غيرها من المدارس فيقال فيه شركاء متشاكسون، مع مساعمته أعز الله انصاره في الانساي بكريم نسبه، واشتماله من محبة العلم وأهله، على ما يقضي بمتين دينه ووثاقة سببه، أحببت أن أخدم خزانتها العالية عمرها الله تعالى ببقاء منشيها وأدام عزها بدوام أيام بانيها، بتأليف كناب معرفة العرب والعلم بأنسابها، يجدد الدروس رسومها، ويطلع بافق الزمان بعد الأفول نجومها، ليكون باختصاصه بوضعه كالغرة في وجه كتبه، وتدخر بخزانته السعيدة لتصير كلمة باقية في عقبه، فشرعت في ذلك بعد أن استخرت الله تعالى ولا خيبة لمستخير، واستشرت فيه أهل المشورة ولا ندم للمستشير، واصلاً كل قبيل من القبائل بقبيلة، وملحقاً كل فرع من الفروع الحادثة بأصوله، مرتباً له على حروف المعجم ليكون أسها للاستخراج قبائله وأقرب إليه في الاقتطاف من تناوله.