للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا مُحْيِياً للدِّينِ بَعْدَ إماتَةٍ ... ومؤيِّداً لشريعةٍ أسْماها

يا آمِراً بالعُرْفِ يُرْضِي رَبَّهُ ... بُوِّئتَ مِن دَارِ النَّعِيمِ عُلاها

يَبْكِيكَ ذا الليلُ البَهيمُ فطالَ ما ... قَدْ قُمْتَ فيهِ مُسَبِّحاً أوَّاها

وكذاكَ صَوْمُكَ في الهَواجِرِ دائباً ... سَيَّانَ عندَكَ حَرُّها وشِتَاها

يا زاهِداً نِلْتَ المَعالي والرِّضا ... يا عارِفاً عَيْبَ الدُّنا وفَنَاها

أعْرَضْتَ عنها إذ أَتَتْكَ مُطيعَةً ... ورَغِبْتَ في أخْرى يَدُومُ بَقاها

خَطَبَتْكَ حُورٌ في جِنانٍ زُينتْ ... لِقُدومِ نَفْسٍ قَدْ زَكا مَسْعاها/ [٧٣]

أَلِجَنَّةِ الفِرْدَوْسِ بُشْرَى بالَّذي ... قَدْ حَلَّها طُوبَى لهُ سُكْناها

فالسُّنّةُ الغَرَّاءُ تَبْكِي فَقْدَهُ ... إذْ مِنْ أَغاليطِ الرُّواةِ حَماها

وكَذاكَ مَذهْبُ ابنِ إدْريسَ الذي ... فاقَ الأئمَّةَ سُؤدَداً فَعَلاها

فاليَوْمَ بُنْيانُ القَواعِدِ قَدْ هَوى ... مِنْ بَعْدِ تَشْييدٍ وحُسْنِ بِناها

مَنْ للمسائِلِ كاشِفاً عَنْ سِرِّها ... إذْ أعْضَلَتْ وتَعَسَّرَتْ فَتْواها

قدْ كُنْتَ توضِحُها بلَفْظٍ موجَزٍ ... فيَطيبُ مِنْكَ جُدَّادها (١) وجَنَاها

وإذا تَحِلُّ بنا النَّوازِلُ مَنْ لَنا ... في رَفْعِها عَنَّا وحَلِّ عُراها

أَمْ مَنْ تُرَضِّيهِ لدَفْعِ كَريهَةِ ... يَوْماً إذا ما عَمَّنا بَلْواها

قَدْ كُنْتَ (مُحيي الدين) حِصْناً مانِعاً ... عَنَّا فَوا أسَفا عليكَ وآها

فَلَقَدْ غَدَوْتَ مُكَرَّماً في صُحْبَةٍ ... كانَتْ نُفوسُهُمُ لَدَيْكَ سَفاها

فالآنَ شُتِّتَ شَمْلُهُم وتَفَرَّقوا ... حَيْرَى سُكارَى ليْسَ مِنْ صَهْباها (٢)

فلَوْ أنَّ نَفْساَ تُفْتَدى لَفَدَتْكَ مِن ... كَأسِ الحِمامِ نُفوسُنا بِدِماها

لكِنَّ كاساتِ المَنونِ دَوائِر ... لَمْ يَعْدُها مَنْ لِلْحُصونِ بَناها

قَدْ أَكْثَرَتْ فيكَ الرُّثاةُ وما أرى ... تُجْدي سِوَى تَذْكَارِهَا وغِناها


(١) الجُدَّاد: صغار الشجر. قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (١/ ٤٠٩): "وهو عندي كذا، على معنى التشبيه بجُدَّاد الخيمة، وهي الخيوط".
(٢) الصهباء: الخمر.

<<  <   >  >>