للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدهما: نقل عنه في "الحصول" أنه أراد أن اللفظ يفيد المعنى بذاته من غير وضع واضع؛ لِمَا بينهما من المناسبة الطبيعية. قال الأصفهاني: (وهو الصحيح عنه) (١).

ونقل عنه الآمدي أن المناسبة حاملة للواضع على أن يضع.

واحتج عباد بأن المناسبة لو لم تعتبر لكان اختصاص اللفظ بذلك المعنى ترجيحًا من غير مُرجِّح.

وجوابه -على النقل الأول- أنه ترجح بإرادة الواضع. ولو كانت ذاتية، لَمَا اختلفت باختلاف النواحي، ولاهتدى كل أحد لمعرفة كل اللغة، ولكان الوضع للضدين -إذا قُلنا بجواز [الاشتراك] (٢) بين الضدين كـ "الجون" للأسود والأبيض- مُحَالًا.

وعلى النقل الثاني: يكون المرجِّح ليس الباعث العقلي، وإلا لَمَا اختلف العرب والعجم فيه، لكن إرادة الواضع، أو إلهام الله تعالى إياه إنْ قُلنا: (الواضع البشر)، أو خُطُوره ببالهم.

الثاني: قال السكاكي: هذا المذهب متأول على أن للحروف خواص تناسب معناه من شدة وغيرها كالجهر والهمس والتوسط، كَـ "الفصم"، فإنه بالفاء -التي هي حرف رخو- معناه: كسر الشيء من غير إبانة، و"القصم" الذي هو حرف شديد: كسره بإبانة ونحو ذلك.

لكن القائل باعتبار المناسبة إنْ قَصد أن ذلك علِة مقتضية -لِذَاتها- هذه المعاني، فخرقٌ للإجماع. وإنْ قصد أن الواضع راعَى هذا المعنى في وضعه وإنْ لم يكن هو الباعث له عليه -وهو الظاهر من كلامه- فهو مذهب جَمْعٍ من أرباب عِلم الحرف زعموا أن للحروف طبائع في طبقات من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة، فناسب أن يوضع لكل مسمّى ما يناسبه من


(١) انظر: الكاشف عن المحصول (١/ ٤٣١ - ٤٣٤).
(٢) كذا في (ض، ت، ظ)، لكن في (ص، ش): المشترك.

<<  <  ج: ص:  >  >>