وثالثها: تفصيل إمام الحرمين وابن القشيري، أنه يجوز فيما لا تكليف فيه، ويمتنع فيما فيه تكليف؛ حَذَرًا مِن تكليف ما لا يُطاق.
وهذا القول هو الراجح، وهو ما اقتصرتُ عليه في النَّظْم بِقولي:(وَالَّذِي المجمل مِنْ) إلى آخِره، أَيْ: هو المجمل، فحذف صدر الصلة من "الذي"؛ لِطولها وعدم صلاحية المذكور صلة.
ولو قُرئ:(وَالَّذِي أُجْمِلَ) لم يمتنع، وحينئذ فلا [يحتاج](١) إلى هذا التقدير، بل تكون الصلة جملة فعلية، لكن التعبير الأول أصرح في ذِكر المسألة المقصودة.
ومعنى "زكن": عُلِم، وهو بالزاي المعجمة مِن: زكنتُ الشيء أزكنه (بالضم)، أيْ: عَلِمْتُه، والمراد أنَّ المكَلَّف به لا بُدَّ أنْ يَكون بيانه قد عُلِم، بخلاف غيره، والله أعلم.
الشرح: لَمَّا فرغ الكلام مِن الأصلين الأولين وهُما الكتاب والسُّنة، شرعتُ في بيان الثالث وهو"الإجماع"، ولم يخالِف في حُجِّيته وكوْنه مِن الأدلة إلا النَّظَّامُ وبعضُ الخوارج، وكذا الشيعة، فإنهم وإنْ سَلَّموا حُجيته فقدْ شرطوا فيه الإِمام المعصوم كما سيأتي، ففي الحقيقة الحجة في المعصوم، لا في الإجماع. وبالجملة فلا التفات إلى شيء مِن ذلك مع قيام
(١) كذا في (ز، ش). وفي (ق): محوج. وفي هامش (ت): لعله "محوج". وفي سائر النُّسَخ: يجوز.