للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النوع الثاني: ما يتوقف عليه الاستدلال من جهة فَهْم المعنى، وهو اللغة

٣٦٩ - كِتَابُ رَبِّنا وَسُنَّةُ النَّبِيْ ... أَفْصَحُ لَفْظٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ

الشرح:

لَمَّا فرغتُ مِن النوع الأول مما يتوقف عليه الاستدلال بالأدلة الثلاثة -الكتاب والسُّنة والإجماع- وهو طريق ثبوتها، شَرعتُ في النوع الثاني، وهو ما يتوقف عليه مِن جهة دلالتها، وذلك في الكتاب والسنة اللذين هما أصل الإجماع، بل وأصل القياس، وربما كانا دالَّين على الأصل المقيس عليه كما سيأتي، وذلك هو اللغة؛ لأن فَهْم المعاني [فيهما] (١) متوقف على معرفة أن هذا هو مدلوله لُغةً؛ لأن القرآن والسنة عربيان، فلا بُدَّ للمستدل بهما مِن معرفة لُغة العرب، بل هما أفصح الكلام العربي، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: ٢]، وقال تعالى: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٢]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤]، وغير ذلك من الآيات.

فإنْ قيل: مَن سَبقَ نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مِن الأنبياء المرسلين إنما كان مبعوثًا لقومه خاصة، فهو مبعوث بلسانهم، وأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فمبعوث لجميع الخلْق، فَلِمَ لَمْ يُبعَث بسائر الألسنة ولم يُبعث إلا بلسان بعضهم وهُم العرب؟

فالجواب: أنه لو بُعث بلسان جميعهم لكان كلامه خارجًا عن المعهود، وَيبْعُد -بل يستحيل- أن تَرِد كل كلمة مِن القرآن مكررة بكل الألسنة؛ فتَعَيَّن البعض، وكان لسان العرب أَحَق؛ لأنه أوسمع وأفصح، ولأنه لسان المخاطَبين وإنْ كان الحكم عليهم وعلى


(١) كذا في (ز، ت، ش، ض)، لكن في (ص): منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>