لَمَّا فرغت من تقسيم الألفاظ وكان من جملة الأقسام أمور مقصودة في هذا الفن يشتد تَعلُّق الاستدلال بها ولها أحكام كثيرة تفتقر إلى إفراد كل منها بترجمة تخصه يُذكر فيها أنواعه وأحكامه كالأمر والنهي والعام والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والمؤَوَّل والمجمَل والمبيَّن، شرعتُ في ذِكرها على هذا الترتيب في فصول، الفصل الأول منها في بيان الأمر والنهي.
فأما "الأمر" فإنما بُدئ به لأنه إثبات، وهو أشرف من "النهي"، ولو لوحظ الزمان لَقُدِّم النهي؛ لأن العدم سابق على الوجود.
ولفظة "الأمر" تطلق على معانٍ:
منها: المعنى الاصطلاحي الذي هو مقصود الفصل على الخلاف الآتي فيه أول هل هو الصيغة الدالة على طلب إيجاد فِعل نحو: "اضرب"؟ أو نفس الطلب الذي تدل عليه الصيغة؟
ومنها: الفعل، فيقال:(زَيد في أمر عظيم)، أي: في فِعل مهم من سفر أو غيره. ومنه قوله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: ١٥٩]، أي: في الفعل الذي تعزم عليه، ونحوه قوله تعالى:{أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[هود: ٧٣]، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا}[هود: ٤٠].