بأن العبارات لا معنى لأعيانها، وهي في الحقيقة أمارات منصوبة على المعاني المطلوبة.
المسألة الثانية (في تعيين الواضع):
وهي مُرتبة على التي قبلها، وهو معنى قولي:(فَلَا تَدُلُّ بِالْمُنَاسَبَاتِ). أي: فلأجل ذلك كانت اللغة لا بُدَّ لها من واضع، وهو الله تعالى، إذ ليست تدل بالمناسبة حتى يُكتفَى بها عن الوضع، ولا أن الباعث لواضعها المناسبة؛ لأن أفعال الله تعالى لا تُعَلل بالغرض.
هذا معنى تعقيبي بالفاء، لا أن مسألة المناسبة مُفَرعة على اشتراط الواضع، فاعْلَمه.
والمسألة فيها مذاهب:
أحدها وعُزي للأشعري، وبه قال أبو بكر بن فورك من كبار أصحابه والجمهور: اللغات توقيفية، لا مدخل للخلق في وضعها، فالله تعالى وضعها، ثم وقَّف العباد عليها إما:
- بوحي إلى أنبيائهم الذين يتلقون الشرائع منهم؛ لقوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} إذا لم نَقُل: معناه المسميات، ولا الخواص، ولا نحو ذلك.
- وإما بخلق فَهْم لها من أصوات خلقها فسمعوها.
- أو بخلق عِلم ضروري في صدورهم علموها ووعوها وعيًا كما عبرت به في النَّظم.
وقيل: إن الأشعري إنفي تكلم في الوقوع، لا في الجواز، وإلا لَنقله عنه القاضي أبو بكر وغيره من أصحابه. ولكن ذكر إمام الحرمين الخلاف في الجواز وأن الوقوع لم يثبت.
وممن اختار هذا المذهب أيضًا ابن فارس في "فقه اللغة"(١)، قال: (لأن إجماعهم على الاحتجاج بِلُغة القوم لو كان لكونها مواضعة، لم يكونوا أَوْلى منا بالاحتجاج باصطلاحنا