لكن ابن مالك قد غاير بينهما ومَثَّل التعليلية بقوله تعالى:{ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ}[البقرة: ٥٤]، وقوله تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا}[النساء: ١٦٠].
ويؤيده ما فَرق به بعضهم بين السببية والتعليل بأن العلة مُوجِبة لمعلولها، بخلاف السبب فإنه أمارة على المسبَّب.
قال: ومن هنا اختلف [أهل السنة](١) والمعتزلة في أن أفعال العبد هل هي عِلة لثوابه وعقابه؟ أو سبب؟
فقال المعتزلة بالأول.
وأهل السنة بالثاني، وفرَّعوا على ذلك الحج عن الغير، فمَن قال:(عِلة)، أبطله؛ لأن عمل زيد لا يكون علة لبراءة عمرو. ومَن قال:(سبب)، قال: يصح؛ لجواز أن يكون سببًا للبراءة وعَلَمًا عليها.
قلتُ: قد سبق أن مذهب أهل السنة أن كُلًّا من السبب والعلة مُعَرِّف، لا موجِب مُؤَثِّر بذاته، فلا فرق حينئذٍ بينهما من هذه الجهة وإنِ افترقا كما سبق من حيث إنَّ العلة فيها مناسبة وملائمة للحُكم، والسبب أَعَم من ذلك؛ فيُكتفَى به؛ ولذلك اقتصرتُ في النَّظم عليه.
الرابع: المصاحبة بمعنى "مع "، كقوله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ}[النساء: ١٧٠] ويغني عنها وعن مصحوبها الحال، فالتقدير هنا:"مُحِقًّا"؛ ولهذا يسميها كثير من النحويين "باء" الحال.
الخامس: الظرفية بمعنى "في" المكانية، نحو:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ}[آل عمران: ١٢٣]، أو الزمانية، نحو: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: ١٣٧، ١٣٨]. وربما كانت الظرفية مجازية، نحو:"بكلامك بهجة".
(١) كذا في (ص، ش). لكن في (ت، ظ): بين السُّنة. وفي (ق): بين السنية. وفي (ض): بين أهل السنة.