فمنها: ما إذا قال الراوي للعام -في بعض أفراده- بخلاف ما رواه من عموم الحكم، أو فَعَل على خِلاف بعض الأفراد، هل يكون ذلك مخُصِّصًا؟ أَم لا؟
فيه مذاهب:
أحدها: قول الجمهور وهو الراجح: المنع. وعزاه في " المحصول" للشافعي، قال: إنْ حمل الراوي الخبر على أحد محمَليه، صِرتُ إليه، وإلا فلا أصير إليه.
وهذا سواء أكان الراوي صحابيًّا أو لا.
وإليه أشرت بقولي:(وَلَوْ مِنَ الصَّحْبِ؛ فَذَا مُسَاوِي). أي: فإنَّ الصحابي وغيره سواء في أنَّ قول كل منهما غير حُجَّة، والعموم حجة، فلا يترك ما هو حجة لِمَا هو غير حجة.
وسيأتي الخلاف في قول الصحابي أنه حُجة وبيان أقوال الشافعي فيه في فصل "الأدلة المختلف فيها".
الثاني: أنه يخصَّص به، سواء أكان الراوي صحابيًّا أوْ لا. ونقل ذلك ابن الحاجب وغيره عن الحنفية والحنابلة؛ لأنهم قائلون في قول الصحابي بأنه حُجة، وأما غير الصحابي فلأنه أَعْرَف بِمَخْرَج ما رواه مِن غيره، وأيضًا فمخالفته تستلزم دليلًا وإلا كان فاسقًا، فيجب الجمع بين العام، والدليل الذي خالَف مِن أجله.
وجواب ذلك أنه قد يكون بحسب ظنه، وليس هو دليلًا عند غيره مِن المجتهدين، ولا قوله حُجة على غيره.
الثالث: قول عبد الجبار: إنْ وُجِد ما يقتضي التخصيص غير قول الراوي، فذاك هو المخصِّص. وإنْ لم يوجد إلا تخصيص الراوي، تَعيَّن أن يكون هو المخصِّص.
قلتُ: وهذا عَيْن القول بأنه مخصِّص مطلقًا؛ لأنه إذا وُجِد مخصِّص شرعي فلا نزاع في التخصيص، وإنْ لم يوجد إلا هو فهو محل النزاع.