وأما على طريقة الآمدي وابن الحاجب فالأمر بالمطلق أمر بجزئي من جزئيات الماهية، لا بالكُلي المشترك. فالمطلوب بـ "اضْرِب" مثلًا فِعل جزئي من جزئيات الضرب من حيث مطابقته للماهية الكُلية المشتركة؛ لأن الماهية الكلية يستحيل وجودها في الأعيان.
وضُعِّف ذلك بوضوح الفرق بين الماهية بشرط شيء وبشرط لا شيء ولا بشرط. وحينئذٍ فالمطلوب الماهية من حيث هي، لا بقيد الجزئية ولا بقيد الكلية. واستحالة وجودها في الخارج إنما هو من حيث تجردها, لا في ضمن جزئي، وذلك كافٍ في القدرة على تحصيلها.
نعم، ابن الحاجب يقول: إن الماهية مطلوبة أولًا باعتبار دلالة المطلق عليها بالمطابقة، ولما توقف وجودها على جزئي، كان ذلك الجزئي مطلوبًا من حيث توقف وجودها عليه؛ فآلَ الأمر إلى أن المطلوب بالمطلق جزئي وإن لم يكن بالمطابقة.
وممن حكى ما قرره الإِمام الرازي وأتباعه -مِن أن الأمر بالمطلق أمر بالكلي المشترك- عن مذهب الشافعي أبو المناقب الزنجاني، وقال:(إن مُقابِلَه مذهب أبي حنيفة).
تنبيه:
أَبْدَى الصفي الهندي احتمالًا في "باب القياس" في الكلام على حُجية قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا}[الحشر: ٢] أنه إذن في كل جزئي من جزئيات الماهية. حيث اعترض الخصم بأن الدال على الكُلي لا يدل على الجزئي، فلا يَلزم الأمر بالقياس الذي هو جزئي من الكُلي الذي هو مُطْلَق الاعتبار.
فقال الهندي: (يمكن أن يجاب بأن الأمر بالماهية الكلية وإنْ لم يَقتضِ الأمر بجزئياتها لكن يقتضي تخيير المكلَّف في الإتيان بكل واحد مِن تلك الجزئيات بدلًا عن الآخَر عند عدم القرينة المعيِّنة لواحد منها أو بجميعها، ثم التخيير بينها يقتضي جواز فِعل كل واحد