ولهذا كان حديث الغسل مِن غسل الميت والوضوء مِن مَسِّه لَمَّا انعقد الإجماع على خِلافِه حُكِمَ بأنه تَضمَّن ناسخًا. قاله ابن السمعاني، ومراده: على تقدير صحة الحديث.
وأما قول ابن حزم:(جوَّز بعض أصحابنا أنْ يَرِد حديث صحيح والإجماع على خِلافِه، فيدل على أنه منسوخ، وهو عندنا خطأ فاحش؛ لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩]، فمثل ذلك لا يقع؛ لأن كلام الرسول محفوظ) (١). انتهى
فجوابه ما قررناه؛ لأنَّ ذلك لا ينافي كونه محفوظًا؛ لِتَطَرُّق العارِض الأقوى، فَيُؤَوَّل أو يُنسَخ بمتأخِّر بشروطه.
وكذلك قول إلْكِيَا بتصوُّر نسخ الإجماع بأنَّ الأوَّلين إذا اختلفوا على قولين ثم وقع الإجماع على أحدهما، فقدِ ارتفع الإجماع على الأخذ بكل من القولين، وأن الاختلاف جائز بالإجماع على الأخذ بما أجمعوا عليه، لا بغيره.
يجاب عنه بأنهم إنما سوَّغوا الأخذ بكل مِن القولين بشرط أنْ لا يوجد ما يمنع الاجتهاد. وإذا انعقد الإجماع، فقد وُجِد ما يمنع الاجتهاد.
وكذا قرره ابن برهان، فقال في "الأوسط": وأما إجماع الطبقة الثانية على أحد القولين فليس بنسخ؛ لأن القول المهجور بَطُل في نفسه.
والحاصل: أن في كُلٍّ مِن المسألتين قولين، أصحهما المنع.
فإنْ قيل: ما ذكرتم مِن سند المنع يجري مِثله في النصوص، فإنَّ النص الأول شَرْط العمل به أنْ لا يأتي ما ينسخه. فإذا جاء النسخ، فترك العمل بالأول إنما هو لفقد شرطه، وما