للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكن قال ابن الحاجب بعد ذلك قبيل الكلام في شروط الفرع نقلًا عن الشافعية أنهم قالوا: إن حُكمَ الأصل -أيْ المُعَلَّل لا التعبُّدي فإنه ليس الكلام فيه- ثابتٌ بالعِلة.

قال: (والمعنى أنها الباعث على حُكم الأصل. وقال الحنفية: بالنَّص. والمعنى: أنَّ النص عَرَّف الحكم، فلا خِلاف في المعنى) (١). انتهى

وذكره غيره أيضًا. والمسألة مشهورة في الخلاف بين الشافعية والحنفية، واقتضى نقلهم عن الشافعية ذلك أنهم يفسرون "العِلة" بالمؤثِّر أو الباعث حتى لا يكون النص على الحكم منافيًا لتعليله، بخلاف ما لو فُسرت بالمعرِّف، فإنه ينافي النص؛ لأنَّ النص أيضًا مُعرِّف، وهو قد عُرف من التعليل، فأيّ فائدة في النص؟ ولكن الشافعية ليس عندهم العلة إلا مُعرّفة، لا مُؤثِّرة. أي: إنها أَمَارة دالة على الحكم، وغايته أن يكون للحكم مُعَرِّفان: النَّص، والعِلة.

وإنما الداعي لابن الحاجب وغيره إلى ذلك أنهم لما جعلوا العلة فرعًا للأصل أصلًا للفرع كما سبق؛ حذرًا مِن لزوم الدَّوْر؛ لأنها إذا كانت مأخوذة مِن النص على حكم الأصل، فلا تكون مُعرِّفة لحكم الأصل؛ لِلِزُوم الدَّوْر. لَكِنَّا إذا قُلنا: مُعَرِّفة، تكون هي والنَّص مُعَرِّفَيْن. إلا أن تعريف النص قاصر على تعريف حُكم الأصل، والعِلة مُعرفة لحكم الأصل ولحكم الفرع معًا. فَتُعَرِّف حُكمَ الأصل لمن لم يَعْرفه مِن النص، وتُعَرِّف حُكمَ الفرع لمن عَرف مساواته مع الأصل.

فمَن عرف بطريق مِن الطُّرق أن علة تحريم المسكرات الإسكار، يَعْرف تحريم الخمر من ذلك، لا مِن نَصٍّ على تحريمه. ومَن عَرف تحريمه بنَصٍّ، لا يَضُره أنْ لا يَعْرفه مِن حيث العِلة؛ لأن التعريف إنما يكون لمن يجهل ما عرف به.


(١) مختصر المنتهى مع شرح الأصفهاني (٣/ ٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>