ثم اختُلف أيضًا على قول كَوْنه علة لحكم شرعي: هل يُعَلَّل به وصف حقيقي؟ على قولين حكاهما في "المحصول"، أصحهما -كما قاله الهندي وغيره- الجواز؛ لِمَا قُلنا من أن العلة المعَرِّف، فيجوز أن يُعَرِّف حُكمٌ شرعي وصفًا حقيقيًّا.
مثاله: تعليل كون الشعر موصوفًا بأنه تحله الحياة بأنه يحرم بالطلاق ويحل بالنكاح؛ فيكون حيًّا، كاليد.
وأما اللغوي: فكتعليل تحريم النبيذ بأنه يسمى "خمرًا"؛ فحرم كعصير العنب.
وأما الوصف العُرفي: فنحو الشرف والخسة في الكفاءة وعدمها، فإن الشرف يناسب التعظيم والإكرام، والخسة تناسب ضد ذلك؛ فيُعَلَّل به بشرط أن يكون مطردًا، أي: لا يختلف باختلاف الأوقات، وإلا لجاز أن يكون ذلك العُرف في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دُون غيره، فلا يُعَلَّل به.
وأما تقسيم الوصف الظاهر المنضبط باعتبار وَجْه صلاحيته للتعليل مراعاةً لجلب المصالح ودرء المفاسد تَفضّلًا من الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا وجوبًا فالوصف إما أن يكون جالبًا لمصلحة للعبد أو دارئًا لمفسدة عنه، أو يجتمع فيه الأمران.
والدارئ للمفسدة على ثلاثة أقسام:
إما أن يكون دافعًا لها، أو رافعًا لها، أو يجتمع الأمران فيه فيكون دافعًا رافعًا.
فقولي في النَّظم:(أَوْ جَامِعَا) صادق على أمرين:
أحدهما: أن يكون جامعًا لجلب المصلحة ودرء المفسدة.
والثاني: أن يكون جامعًا لدفع المفسدة ورفعها.
فأما الوصف الجالب للمصلحة والدارئ للمفسدة والجامع للأمرين فسيأتي مبسوطًا في اشتمال العلة على مصلحة العبد.