قيل: وينبغي قَصْره على الصحابي أو مَن بَعْده إذا كان عالِمًا بمدلولات الألفاظ.
وهو ظاهر، ولهذا عطفته بـ "ثُمَّ" في قولي: (ثُمَّ غَيرٍ). أي: غير الفقيه.
فإنْ قيل: إذا قال الراوي: (هذا منسوخ) أو حمل حديثًا -رواه- على غَيْر ظاهره، لا يُعْمَل به؛ لجواز أن يكون ذلك عن اجتهاد، فكيف إذا قال الراوي:"سها، فسجد" ونحوه يُعمل به مع احتمال أن يكون عن اجتهاد؟
فالجواب: أن هذا مِن قبيل فَهْم الألفاظ مِن حيث اللغة، لا أنه يرجع للاجتهاد. بخلاف قوله:(هذا منسوخ) ونحو ذلك؛ ولهذا إذا قال:(أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكذا) أو: (نهي عن كذا) يُعمل به؛ حملًا على الرفْع، لا على الاجتهاد.
ومَن منع في هذا إنما قال: إنه يحتمل الخصوصية، فعمم. أو عدم الدوام، فحمله على الدوام. وقد سبق ذلك في بابه.
واعلم أن ابن الحاجب جعل هذا من الصريح، لا من الظاهر. والأجود ما جرى عليه البيضاوي أنَّ هذا من الظاهر؛ لأنَّ لها معاني غير ذلك كما بيناه، فإنَّ "الفاء" أيضًا تكون بمعنى "الواو" وغير ذلك.
نعم، يقوى كلام ابن الحاجب إذا كان في الكلام صريح شرط أو معنى شرط، كالنكرة الموصوفة والاسم الموصول، فإنه لا يمكن حمل "الفاء" فيهما على معنى "الواو" العاطفة؛ إذِ العطف لا يحسُن قبل تمام الجملة. ولهذا لا ينبغي أن يمثل بنحو:"مَن أحيا أرضًا ميتة فهي له"(١). وكذا نحو:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا}؛ لما فيه من معنى الشرط.