للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومِن ذلك أيضًا استصحاب العَدَم الأصلي، وهو الذي عُرِف بالعقل انتفاؤه وأنَّ العَدَم الأصلي باقٍ على حالِه، كَـ: الأصل عدم وجوب صلاة سادسة وصوم شهر غَيْر رمضان. فلَمَّا لَمْ يَرِد السمع بذلك، حَكَم العقل بانتفائه؛ لِعَدَم المثبِت له.

وأصحابنا مُطبقون على حُجية الاستصحاب في ذلك وإنْ وقع الخلاف فيه عند غيرنا كما سنذكره، لكن قد يطرق ذلك خلاف عندنا مما ذكره أصحابنا في الأفعال قبل ورود الشرع في فائدة الخلاف فيه أنَّ مَن حرم شيئًا أو أباحه فسُئل عن حُجته فقال: (طلبتُ دليلاً في الشرع فلم أَجَد فبقيتُ على حُكم العقل مِن تحريم أو إباحة)، هل يصح ذلك؟ أَمْ لا؟ ثم هل يلزم خصمه المحاجة بهذا القول؟ أَمْ لا؟

ومن أنواع "الاستصحاب" أيضًا استصحاب حُكم دَلَّ الشرع على ثبوته ودوامه؛ لوجود سببه، كالملك عند حصول السبب، وشغْل الذمة عن [فرض] (١) أو إتلاف. فهذا وإنْ لم يكن حُكمًا أصليًّا فهو حُكم دل الشرع على ثبوته ودوامه جميعًا. ولولا أن الشرع دلَّ على دوامه إلى أنْ يوجد السبب المُزِيل أو المُبرئ لَمَا زال استصحابه.

ونُقل عن بعض المتكلمين نَفْي حُجية الاستصحاب مِن حيث هو.

وعزاه الإمام أيضًا للحنفية، لكن الموجود في كتبهم قول ثالث في المسألة، وهو أنه حُجة في الدفع، لا في الرفع، أي: في "بقاء ما كان على ما كان" يَكون حُجة، وأما في رفع بإثبات شيء رافع لشيء يستدام حُكم ذلك الرافع فلا. وهذا كالمفقود، لا يورث؛ لبقاء ما كان على ما كان وهو حياته، ولا يرث؛ لأنه ليس مالكًا لمال مورثه حتى يستصحب ملكه.

قيل: وهذا القول حسن، ينبغي أن يكون عندنا تخريج مثله مما لو بلغ مصلحًا لماله صالحًا في دِينه فإنه يرتفع الحجر عنه. فلو طرأ بعد أنْ كان رشيدًا تبذير، حُجر عليه، أو فسق


(١) كذا في (ص، ض، ش)، لكن في (ت، س): قرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>