للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنها: "سد الذرائع": والقائل به المالكية.

و"الذرائع" بالمعجمة: الوسائل. والمراد: سَد باب الوسائل المؤدِّية إلى محذور في الشرع.

قال القرافي: (وليس كما يُظَن أنه خاص بالمالكية؛ فقد أجمعت الأُمة على أنَّ الذرائع على ثلاثة أقسام:

أحدها: معتبَر إجماعًا، كحفر الَابار في طُرق المسلمين، وإلقاء السم في أطعمتهم، ويسَب الأصنام عند مَن يُعْلَم مِن حاله أنه يَسب الله تعالى حينئذٍ.

وثانيها: مُلغًى إجماعًا، كزراعة العنب، فإنه لا يُمْنَع خشية الخمر، والشركة في سُكنى الأدر خشية الزنَا.

وثالثها: مختلَف فيه، كبيوع الآجال، اعتبرنا نحن الذريعة فيها، وخالفنا غيرنا).

قال: فحاصل القضية أنَّا قُلنا بسد الذرائع أكثر مِن غيرنا، لا أنها خاصة بنا.

ثم قال: (واعْلَم أن الذريعة كما يجب سَدُّها يجب فتحها، ويُكره ويندب ويباح، فإنَّ "الذريعة" هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرَّم محرَّمة فوسيلة الواجب واجبة، كالسعي للجمعة والحج. وموارد الأحكام على قسمين: "مقاصد"، وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها. و"وسائل" وهي الطُّرق المفْضِيَة إليها، وحُكمها حُكم ما أَفْضَت إليه من تحريم أو تحليل، غَيْر أنها أَخْفَض رُتبة من المقاصد في حُكمها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة. ويُنبِّه على اعتبار الوسائل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠]، فأثابهم على الظمأ والنصب وإنْ لم يكونَا مِن فِعلهم؛ لأنهما حصلَا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدِّين وصون

<<  <  ج: ص:  >  >>