ونُقل أيضًا منع حُجِّية الإجماع عن بعض الخوارج، والشيعة، وإنما يستدلون به إذا كان فيهم إمام معصوم، ونحو ذلك مخالفة الرافضة في القياس، وسنذكر في آخر الباب الخلاف في ذلك مبسوطًا.
وأما مخالفة الدهريَّة في الكتاب والسُّنة كما يحكيه عنهم بعض الأصوليين (كابن برهان أول "الوجيز" وغيرِه) فلا ينبغي أنْ يذكر، فإنهم كفارٌ لا يعْتَد بهم أصلًا، وكان شيخنا شيخ الأيلام البلقيني - رحمه الله - يعِيب على ابن الحاجب وغيره ذِكرَ خِلاف اليهود في النَّسْخ ونحو ذلك في أصول الفقه؛ فإنَّ موضوع أصول الفقه ما يتعلق بأحكام المسلمين، بخلاف التعرُّض لذلك في أُصول الدِّين، فإنَّ موضوعه الردُّ على المبْطلين في العقائد على أيِّ وَجْهٍ كان.
واحترزنا بذلك عن أدلة الفقه المختلَف فيها، كالاستصحاب والاستحسان وقول الصحابي ونحو ذلك، وسنذكرها في فَصْلٍ آخر الباب الثاني.
وقولي:(الكتاب الباقي) أبي الذي لا يرتفع ولا يُنْسَخ، بل هو مستمر {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت: ٤٢] فخرجت الكتب المنسوخة والآيات المنسوخة.
وقولي:(وذَا مِن الدِّين) الإشارة إلى "القياس"، أَيْ: إنَّ القياس ليس ببدعَة، بل هو مِن الدِّين على الأصح مِن الأقوال الثلاثة، وممن حكاها أبو الحسين في "المعتمد"، فقال: (وأمَّا كَوْن القياس دِينَ الله فلا ريب فيه إذَا عُني أنه ليس ببدعةٍ، وإن أريد غير ذلك، فعند الشيخ أبي الهذيل لا يُطلق عليه ذلك؛ لأنَّ اسم الدين يقع على ما هو ثابت مستمر، وأبو علي الجبائي يَصِف ما كان واجبًا منه بذلك وبأنه إيمان، دُون ما كان منه نَدْبًا، والقاضي عبد