للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالأشعرية يرون أنَّ فِرقة الجبرية الضالة تقول بأنَّ الإنسان مُجْبَر على الطاعة أو المعصية اضطرارًا، كالمرتعد من الحمى، والريشة التي تُحركها الرياح.

فهربوا مِن ذلك - بِزَعْمهم - بأنِ اخترعوا نظرية الكَسْب، وهي أنَّ الله تعالى خلق في العاصي قدرة على المعصية، وبذلك يفعل المعصية، ويستحيل أنْ يَقْدِر على فِعل الطاعة، لأنَّ الله تعالى لم يخلق فيه إلا القدرة على المعصية! !

وأقول: وبذلك يتضح اتفاق الأشعرية والجبرية على أنَّ العاصي لا يستطيع الطاعة، لأنَّه ليس عنده القدرة عليها.

ولذلك قال عبد السلام بن إبراهيم اللقاني (٩٧٧ - ١٠٧٨ هـ) في (إتحاف المريد بجوهرة التوحيد) وهو أشعري: (فالمُوَفَّق لا يَعْصِي؛ إذْ لا قُدرة له على المعصية، كما أنَّ المخذول لا يطيع؛ إذ لا قدرة له على الطاعة) (١). انتهى


= وشرحه الشريف الجرجاني (٧٤٠ - ٨١٦ هـ) قائلًا: ("تثبت للعبد كسبًا" في الفعل بلا تأثير فيه "كالأشعرية"). شرح المواقف (٨/ ٤٢٩)، طبعة: دار الكتب العلمية - بيروت، ١٤١٩ هـ.
وقال البيجوري في كتابه "تحفة المريد على جوهرة التوحيد، ص ٦٥": (مذهب الجبرية: وهو أنَّ العبد ليس له كسب، بل هو مجبور، أيْ: مقهور كالريشة المعلقة في الهواء تقلبها الرياح كيف شاءت). انتهى
وقال (ص ١٧٦): (فليس للعبد تأثير ما، فهو مجبور باطنًا في صورة مختار ظاهرًا. فإنْ قيل: إذا كان مجبورًا باطنًا، فلا معنى للاختيار الظاهري .. ، وأُجيب بأنه تعالى لا يُسأل عما يفعل).
وقال (ص ١٦٨): (ربما هجس لبعض القاصرين على أنَّ مِن حُجة العبد أن يقول لله: "لِمَ تعذبني والكُل فِعلك؟ " وهذه مردودة بأنه لا يتوجه عليه تعالى مِن غيره سؤال، قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: ٢٣] .. فلا يسعنا إلَّا التسليم المحض). انتهى كلام البيجوري.
(١) إتحاف المريد بجوهرة التوحيد، مخطوط (رقم: ٣٦١٣، الورقة ٢٢ ب) بجامعة الملك سعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>