الشرح: هذا استدراك لِمَا تَقرر في المسألة السابقة -على المُرَجَّح- أنَّ تَخلُّف بعض مجتهدي الأُمة ينفي كَوْن قول الباقين إجماعا وحُجة، فيقال: إنَّ ذاك فيما إذا صرح مَن لَمْ يَقُل به بالمخالفة. أمَّا إذا سكتوا ولم يصرحوا بموافقة ولا مخالفة فهو المُعَبَّر عنه بِ "الإجماع السكوتي"، وفيه مذاهب:
أرْجَحُها: إنه حُجة (بالشرائط الآتية) وإجماع أيضًا (على المختار)، وهو معنى قولي:(وُينتحَى تَسْمِيَةٌ لَهُ إِذَنْ إجْمَاعًا). أيْ: يُخْتار ذلك ويُعتمد.
قال الجوهري بَعد أنْ قرر أنَّ أصلَ "الانتحاءِ" الاعتمادُ في السير على الجانب الأيسر: (إنه صار "الانتحاء" الاعتماد في كل وجه) (١). انتهى
وإنما كان ذلك حُجة لأنَّ سكوت الساكت تقرير يُشعر بالموافقة، وإلَّا لَأنكر ذلك، وهو مستمَدٌ مِن مسألة سكوته - صلى الله عليه وسلم - على فِعل أحدٍ بِلا داعٍ كما تَقدم، فإنه سُنة بمنزلة قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ ذلك الفعل جائز.
وأمَّا كوْنه إجماعًا فإنه لو لم يَكُن كذلك لم يكن حُجة؛ لأنَّ حُجية قول غير الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ممتنعة إلَّا أنْ يكون إجماعًا، لِمَا قام الدليل به.
نعم، المرجَّح حينئذ أنه إجماع ظني، لا قطعي. وإنما لم أصرح بذلك في النَّظم لوضوحه؛ لأنَّ القطع -مع قيام الاحتمال في السكوت- لا يمكن.