مِن لطف الله تعالى حدوث الموضوعات اللغوية ليُعَبَّر بها عمَّا في الضمير، سواء قلنا: الواضعُ الله تعالى أو البشر بإقداره تعالى وإلهامه. ووَجْه الحاجة إلى ذلك أنَّ الله عز وجل لَمَّا خلق النوع الإنساني وجعله محتاجًا لأمور لا يستقل بها بل يحتاج فيها إلى المعاونة، ولا بُد للمعاون مِن الاطلاع على ما في نفس المحتاج إليه بشيء يدل، وذلك إما لفظ أو إشارة أو كتابة أو مثال، وكان اللفظ هو أكثر إفادة وأيسر.
أما كونه أكثر فلأنَّ اللفظ يقع على: المعدوم والموجود، الغائب والحاضر، الحسي والمعنوي، ولا شيء مِن الباقي يستوعب ذلك.
وأما كونه أَيسر؛ فلأنه موافق للأمر الطبيعي؛ لأن الحروف كيفيات تعْرِضُ للنفَس الضروري.
وإذا تَقرر الاحتياج للوضع، فكلما اشتدت الحاجة إليه افتقر إلى ما يُوضَع له وإلا لكان ذلك مُخِلًّا بمقصود الوضع، وما لا تشتد إليه الحاجة يجوز أن يوضع له (لِمَا فيه مِن الفوائد) وأنْ لا يوضع له الأنه قد لا يُحتاج إليه).
قال الماوردي في "أدب الدين والدنيا": (وإنما كان نوع الإنسان أكثر حاجة من جميع الحيوان؛ لأن غيره قد يستقل بنفسه عن جنسه، وأما الإنسان فمطبوع على الافتقار إلى جنسه في الاستعانة به، فهو صفة لازِمةٌ لطبعه وخِلقةٌ قائمة في جوهره؛ ولذلك قال تعالى:{وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء: ٢٨]، أي: ضعيفًا عن الصبر عمَّا هو إليه مفتقر واحتمال ما هو عنه عاجز. وإنما خُصَّ الإنسان بكثرة الحاجة وظهور العجز نعمة عليه ولُطفًا به؛ ليكون لِذُل الحاجة و [مهانة] (١) العجز خارجًا مِن طغيان الغِنى وبَغْي القدرة؛ إذ هما مركوزان في