فُهِم منه المعنى الذي هو له محقق بالوضع، فيفهمه مَن يَعرف أنه موضوع له، كدلالة "إنسان" على حيوان ناطق.
وأما مَن يذكر في رسم هذه الدلالة أنها "فَهْم المعنى عند ذِكر اللفظ" فمردود مِن وجهين:
أحدهما: أنَّ فَهْم المعنى فرعٌ عن كون اللفظ دل عليه، فلو عُرِّف به، لَتَوَقَّف معرفة الدلالة عليه، فيلزم الدور.
الثاني: أن الدلالة في اللفظ موجودة سواء فهمها فاهم أوْ لا.
فالصواب ما قلناه: إنَّ الدلالة هي كون اللفظ بالحيثية المذكورة، لا الفهم.
وقولي:(مَعْنَاهُ) أعم من أن يكون دلالته عليه مِن حيث وضع اللغة أو مِن حيث اشتهاره شرعًا أو عرفًا.
وقولي:(وَرُبَّمَا عُدِّيَ لِلْتقِيَّهْ) الضمير في "عُدِّيَ" للرسم المذكور، أي: وربما عُدِّي هذا الرسم لبقية الدلالات بعد اللفظية، فَجُعل رسمًا لها مُعَرِّفًا لمعناها.
والمراد بِ "البقية" ما يقابل "اللفظية" مِن "العقلية" و"الطبيعية"، فَفُهِما وإنْ لم يسبق لهما ذِكر، لأن ذِكر الضد يُشْعر بضده، كالعمى والبصر، والحر والبرد، كما في قوله تعالى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل: ٨١]، ولم يَقُل:"والبرد"؛ لِعِلمه مِن ضِده، وما أَشْبه ذلك.
ولمَّا كان الكلام في الدلالة اللفظية التي هي وضعية، دخل أيضًا في لفظ "البقية" ضد الوضعية مِن اللفظية ما هو لفظي لكن غير وضعي كما سنوضح ذلك.
والحاصل أن الدلالة مِن حيث هي يمكن تعريفها بهذا الرسم، فيقال: كون الشيء يَلزم مِن فَهْمه فَهْم شيء آخَر.