فأجاب بعضهم عن ذلك بأنَّ المجاز وإنْ كان الأصل عدمه إلَّا أن الإجماع انعقد على أن المتصفين بهذه الصفات بعد ورود النصوص تتناولهم وتثبت تلك الأحكام فيهم.
ولكن الجواب الحقّ أن هنا شيئين:
إطلاق اللفظ وإرادة المعنى من غير تَعرُّض لزمان، كقولنا:(الخمر حرام)، فإنه صادق سواء أكانت الخمرية موجودة أوْ لا، فإطلاق "الخمر" في هذه الحالة حقيقة؛ لأن المراد بالحال حال التلبس، لا التلفظ، وكذلك نحو آيات:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، و {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} لم يقصد إلَّا مَن اتصف بالشرك وبالزنا وبالسرقة وقت تَلبُّسه، وذلك حقيقة.
ومثلُه إطلاق ذلك بعد الانقضاء، فإنه لم يخرج عن ذلك الذي قد أُطلِق حقيقة واستمر، وإنَّما يقع التجوُّز عند إرادة المتكلم إطلاق الوصف باعتبار ما كان عليه أو ما يؤول إليه.
قال الشيخ تقي الدين السبكي: وإنَّما سرى الوهم للقرافي مِن اعتقاده أن الماضي والحال والمستقبل بحسب زمان إطلاق اللفظ، والقاعدة صحيحة في نفسها، ولكن لم [يفهمها](١) حَق فهمها، فالمدار على حال التلبُّس، لا حال النُّطق.
على أنَّه قد نوقش القرافي في مواضع:
منها قوله:(إن متعلَّق الحكم ليس مرادًا)، يرد عليه قولك:(القاتل يقتل أو الكافر يقتل) تريد به معهودًا حاضرًا، فإنه لا يكون حقيقة حتَّى يكون القتل قائمًا به من حيث الخطاب.
وأيضًا فإنَّ قوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ينحل إلى الذين هم يشركون، فَهُم محكم عليهم.