الأول: قد يطلق "المحكم" على ما أُحكم على وجهٍ لا تفاوُت فيه، فالقرآن كله بهذا المعنى "محكم"؛ ولهذا قال تعالى:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ}[هود: ١].
ويطلق "المتشابه" بمعنى أنَّه متماثل في الدلالة والإعجاز، فالقرآن كله "متشابه" بهذا المعنى؛ ولهذا قال تعالى:{كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ}[الزمر: ٢٣].
الثاني: فائدة ذِكر "المحكم" و"المتشابه" في هذا التقسيم بيان القِسم الذي يجب الإيمان به ولا يتعرض للكشف عنه - على طريقة القائلين بأنَّ الله تعالى يستأثر بعلمه، وأما على الطريقة الأخرى فالسعي في تحقيق معناه بأن يتهيأ العالِم باستعداده حتَّى يكون من الراسخين ويبحث عن المعنى بالدليل.
وقيل: بل الخُلْف في المسألة لفظي، فإنَّ مَن قال:(إن الراسخ في العِلم يَعلم تأويله) أراد به أنَّه يَعلم ظاهره، لا حقيقته. ومَن قال:(لا يَعلم) أراد أنَّه لا يَعلم حقيقته وإنما ذلك إلى الله، والحكمة في إنزال "المتشابه" ابتلاء العقلاء.
وقال [ابن](١) إسحاق: إن الكلام تَمَّ عند قوله تعالى: {إِلَّا اللهُ}، ومعنى ما بعده أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويستدلون على الخفي بالجلي، لا أنهم لا يعلمونه أصلًا. وأما عِلم الله تعالى فهو بالعلم القديم الذي لا يتوقف على شيء، وعِلم غيره متوقِّف على التذكر والتدبر.
وهذا في الحقيقة قول متوسط بين القولين السابقين، واختاره السهيلي.