هَذَا النَّقلِ؟ بَل الوَاجِبُ أَن لَا يُصَدِّقَ ذَلكَ، وَلَا يُكذِّبَه أَيضًا إِلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِه، وَهَكَذَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَفِي هَذِه الإِسرَائِيلِيَّاتِ مِمَّا هُوَ كَذِبٌ عَلَى الأَنبِيَاءِ، أَو مَا هُو مَنسُوخٌ في شَرِيعَتِنَا مَا لَا يَعلَمُهُ إِلَّا اللهُ.
وَمَعلومٌ أَنّ أصحَابَ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحسَانٍ قَد فَتَحُوا البِلَادَ بَعدَ مَوتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَسَكَنُوا بِالشَّامِ وَالعِرَاقِ وَمِصرَ وَغَيرِ هَذِهِ الأَمصَارِ، وَهُم كَانُوا أَعلَمَ بِالدِّينِ وَأَتبَعَ لَهُ مِمّن بَعدَهُم، فَلَيسَ لِأَحَدٍ أَن يُخَالِفَهُم فِيمَا كَانُوا عَلَيه.
فَمَا كَانَ مِن هَذِهِ البِقَاعِ لَم يُعَظِّمُوهُ، أَو لَم يَقصِدُوا تَخصِيصَهُ بِصَلَاةٍ أَو دُعَاءٍ أَو نَحوِ ذَلكَ لَم يَكُن لَنَا أَن نُخَالِفَهُم في ذَلِكَ، وَإِن كَانَ بَعضُ مَن جَاءَ بَعدَهُم مِن أَهلِ الفَضلِ وَالدِّينِ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنّ اتِّبَاعَ سَبِيلِهِم أَولَى مِنَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ مَن خَالَفَ سَبِيلَهُم، وَمَا مِن أَحَدٍ نُقِلَ عَنهُ مَا يُخَالِفُ سَبِيلَهُم إِلَّا وَقَد نُقِلَ عن غَيرِهِ مِمّن هُوَ أَعلَمُ وَأَفضَلُ مِنهُ أَنَّهُ خَالَفَ سَبِيلَ هَذَا المُخَالِفِ، وَهَذِه جُملَةٌ جَامِعَةٌ لَا يَتَّسِعُ هَذَا المَوضِعُ لِتَفصِيلِهَا.
وَقَد ثَبَتَ في الصَّحِيحِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَتَى بَيتَ المَقدِسِ لَيلَةَ الإِسرَاءِ صَلَّى فِيهِ رَكعَتَينِ (١)، وَلَم يُصَلّ بِمَكَانٍ غَيرِهِ وَلَا زَارَهُ. وَحَدِيثُ المِعرَاجِ فِيهِ مَا هُوَ في الصَّحِيحِ، وَفِيهِ مَا هُو في السُّنَنِ وَالمَسَانِيدِ، وَفِيهِ مَا هُو ضَعِيفٌ، وَفِيهِ مَا هُو مِن المَوضُوعَاتِ المُختَلَقَاتِ، مِثلُ مَا يَروِيهِ بَعضُهُم فِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ جَبرِيلُ: «هَذَا قَبرُ أَبِيكَ إِبرَاهِيمَ، انزِل فَصَلّ فِيهِ، وَهَذَا بَيتُ لَحمٍ مَولِدُ أَخِيكَ عِيسَى، انزِل فَصَلّ فِيهِ». وَأعجَبُ مِن ذَلِكَ، أَنّهُ رُوِيَ فِيهِ: قِيلَ لَهُ في المَدِينَةِ: «انزِل فَصَلّ هُنَا» قَبلَ أَن يَبنِيَ مَسجِدَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ المَكَانُ
(١) مسلم (١٦٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute