للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

جـ- إِنَّ عَوامِلَ سِيَاسِيّةٍ دَاخِليّةٍ وَخَارِجِيّةٍ هِي التِي حَفّزَت عَلى إِضفَاءِ صِفَةِ القَدَاسَةِ عَلَى المَدِينةِ، وَمِن هَذهِ العَوَامِلِ مَثَلًا حِرصُ بَنِي أُمَيّةَ عَلَى أَن يُجَنِّبُوا النّاسَ الحَجَّ إِلى مَكّةَ خِلَالَ ثَورَةِ عَبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ لِكَيلَا يَنحَازُوا إِلَيهِ. وَمِنهَا الاحتِلَالُ الصَّلِيبِيُّ للقُدسِ، وَمَا نَشَأَ عَنهُ مِن رَدَّةِ فِعلٍ لَدى المُسلِمِينَ، وَكَذلكَ استِعَادةُ القُدسِ عَلَى يَدِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَمَا تَركَتهُ مِن استِثَارَةٍ شُعُورِيَّةٍ في نُفوسِ أَبناءِ العَالَمِ الإِسلَامِيِّ.

د- وَقَد يُضَافُ إِلَى ذَلكَ، وَمِمّا يَرتبطُ بِه أَيضًا، أَنَّ دُوَلًا إِسلَامِيّةً، أَو مَذَاهِبَ إِسلَامِيّةً مُعَيّنةً، هِي التِي أَنزلَت القُدسَ مَنزِلَةً عَظِيمَةً في الإِسلَامِ، دُونَ دُولٍ إِسلَامِيّةٍ أُخرَى أَو مَذَاهِبَ إِسلَامِيةٍ أُخرَى لَم تَعتَرف لِلمَدينَةِ بِهذِهِ المَنزِلَة.

أَمّا بِالنّسبَةِ إِلَى مَنزِلَة القُدسِ التِي أُنزِلَتهَا مَدينةُ القُدسِ عِندَ المُسلِمِينَ في أَبكَرِ عُهُودِ الإِسلامِ، فَإِنّ اتّخَاذَ هَذه المَدِينةِ قِبلَةً لِلمُسلِمينَ مُدّةَ سِتَّةَ عَشرَ شَهرًا أَو سَبعةَ عَشرَ شَهرًا بَعدَ هِجرةِ المُسلِمينَ إِلَى المَدِينةِ (١) يَقومُ دَلِيلًا لَا يُنقَضُ عَلَى مَكَانَتِهَا لَدَى المُسلِمينَ مُنذُ زَمنِ الرَّسُولِ - عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ -.

وَمِمّا يَتّصلُ بِهذِه الحِقبَةِ المُبَكّرةِ جِدًّا مِن تَارِيخِ الإِسلامِ بِالنِّسبَةِ إِلَى مَكَانةِ القُدسِ عِندَ المُسلِمينَ حَادِثُ الإِسرَاءِ بِرسُولِ الإِسلَامِ - صَلواتُ اللهِ عليهِ - مِن مَكّةَ إِلَى القُدسِ، ثُمّ مِعرَاجِه مِن القُدسِ إِلى السّمَاءِ. وَقَد وُثِّقَت هَذِه الرِّحلَةُ العَجِيبَةُ تَوثِيقًا خَالِدًا في الآيةِ الأُولَى مِن سُورَةِ الإِسرَاءِ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ .. الآية}.


(١) انظر في ذلك: مخطوطة «فضائل بيت المقدس والخليل عليه الصلاة والسلام وفضائل الشام» للمشرّف بن المرجّى المقدسيّ، صورة مخطوطة توبنجن (ص: ٩٤).

<<  <   >  >>