للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

البَغدَادِيِّ هَذهِ لَا تَنطَبقُ عَلَى كُلِّ مَن دَوّنُوا الحَديثَ النَّبَويَّ؛ إِذ إِنّ الكَثِيرِينَ مِنهُم بَذَلُوا جُهُودًا مُضنِيةً لِلاستِيثَاقِ مِن الأَحَاديثِ التِي يُدَوِّنُونَها قَبلَ أَن يُدَوِّنُوهَا.

وَمَكانَةُ القُدسِ في الإِسلَامِ لَم تَرتَبط مُنذُ عُهودِ الإِسلَامِ الأُولَى بِفترَةٍ زَمنِيّةٍ دُونَ غَيرِهَا، وَلَا بِدَولَةٍ إِسلَامِيّةٍ دُونَ دَولَةٍ أُخرَى، وَلَا بِمَذهَبٍ إِسلَامِيٍّ دُونَ غَيرِهِ، وَإِن كَانت الأَحدَاثُ التِي تَمرُّ بِها المُدنُ، شَأنُهَا في ذَلكَ شَأنُ الأحدَاثِ التِي تَمرُّ بِها الشُّعُوبُ، قَد تُوقِظُ استِثَارَاتٍ غَيرِ عَادِيةٍ في النُّفوسِ، وَلَاسِيَّما إِذَا كَانت هَذهِ المُدنُ لَهَا في الأَصلِ مَنزِلةٌ خَاصَّةٌ في نُفوسِ النَّاسِ.

فَالقُدسُ كَانَت تَعنِي لِجُيوشِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ التِي أُرسِلت لِفتحِ الشَّامِ أَكثَرَ مِمّا كَانَت تَعنِيهِ بُلدَانُ الشَّامِ الأُخرَى، حَتَّى قَبلَ أَن تُفتَحَ المَدِينَةُ المُقدَّسةُ بِالفِعلِ. فَهَاهُو الوَاقِدِيُّ المُتَوَفَّى سَنةَ ٢٠٧ هـ، يَقُولُ لَنَا في حَديثِهِ عن القُدسِ عِندَمَا أَقبَلَ المُسلِمونَ عَليهَا لِحصَارِهَا وَقِتالِ أَهلِهَا: «وَلقَد بَلغَني أَنّ المُسلِمينَ بَاتُوا تِلكَ اللّيلَةَ ـ السَّابقَةَ لِلاشتبَاكِ مَع جَيشِ الرُّومِ المَوجُودِ في القُدسِ ـ كَأنَّهم يَنتَظرُونَ قَادِمًا يَقدُمُ عَليهِم مِن شِدَّةِ فَرحِهِم بِقتَالِ أَهلِ بَيتِ المَقدِسِ. وكُلٌّ أَميرٍ يُريدُ أَن يُفتَحَ عَلَى يَديهِ، فَيتَمتَّعُ بِالصَّلَاةَ فِيهِ وَالنَّظَرِ إِلَى آثَارِ الأَنبِيَاءِ ... فَلَمّا أَضَاءَ الفَجرُ أُذِّن، وَصلَّت النَّاسُ صَلاةَ الفَجرِ. ـ قال: ـ فَقرَأَ يَزيدُ [ابنُ أَبي سُفيَانَ] لِأَصحَابِهِ: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا ... الآية} [المائدة: ٢١]. فَيُقَالُ إِنّ الأُمَراءَ أَجرَى اللهُ عَلَى أَلسِنتِهم في تِلكَ الصَّلاةِ أَن قَرَؤُوا هَذهِ الآيَةَ، كَأَنّهُم عَلَى مِيعَادٍ وَاحِدٍ.» (١).


(١) انظر: «فتوح الشام» المنسوب لأبي عبد الله عمر الواقدي، نشر دار الجيل (لا تاريخ) (١/ ٢٣١).

<<  <   >  >>