للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحَشرِ، هي: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ .. الآية} [الحشر: ٢]، وَقد فُهِمَ مِن الآيَةِ أَنّ أَوّلَ الحَشرِ أَو المَحشَرِ إِنّمَا هُوَ في أَرضِ فِلسطِينَ وَفِي القُدسِ بِالذَّاتِ؛ لِأنَّ الرَّسُولَ - عليه السلام - أَخرَجَ اليَهُودَ مِن المَدينَةِ، وَقَالَ لَهُم حِينَ سَألُوهُ إِلَى أَينَ يَتوَجَّهُونَ ـ كَمَا نُقلَ عن ابنِ عبَّاسٍ ـ: «إِلَى أَرضِ المَحشَرِ، ثُمَّ الخَلقُ يَومَ القِيَامَةِ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ» (١). وَقد فَهمَ مُقاتِلُ ابنُ سُليمَانَ هَذهِ الآيَةَ عَلَى هَذَا النَّحوِ في مَعرِضِ تَفسِيرِهِ لِآيَاتٍ مِن القُرآنِ الكَريمِ، وَرَبطَ هَذهِ الآيَاتِ بِالقُدسِ، كَقولِهِ تَعالَى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: ١٢٨]، قال: هِي بَيتُ المَقدِسِ. وَكَآيَةِ الحَشرِ التِي سَبقَ إِيرَادُهَا، وَقَالَ مُقَاتلٌ في تَفسِيرِهَا: وَيَحشُرُ اللهُ - عز وجل - الخَلائِقَ إِليهَا [القُدسِ]. (٢).

وَإِذ يَرُدُّ صَعصَعَةُ بنُ صُوحَانَ عَلَى عِبارَاتِ مُعاوِيَةَ فَيقُولُ فِيمَا قَالَ: «وَأَمَّا قَولُكَ: «قَدِمتُم الأَرضَ المُقدَّسَةَ» فَإِنّ الأَرضَ لَا تُقَدِّسُ أَهلَهَا، وَلكِنّ أَهلَهَا يُقدِّسُونَهَا، وَأمَّا قَولُكَ: «قَدِمتُم أَرضَ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ»، فَإنّ بُعدَ الأَرضِ لَا يَنفَعُ كَافِرًا، وَلَا يَضرُّ مُؤمِنًا.» (٣)، فَإنّهُ لَا يُمكِنُ بِحالٍ مِن الأَحوَالِ أَن يُفهَمَ بِأنَّهُ رَفضٌ لِوصفِ الأَرضِ بِالقَدَاسَةِ أَو لِوَصفِهَا بِأنَّها أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ؛ إِذ إِنّ مِن الوَاضِحِ أنَّ المَقصُودَ بِالقَولِ إِنهُ لَا يَكفِي أَن تَكُونَ الأَرضُ مُقَدّسةً وَأَن تَكُونَ أَرضَ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ حَتّى يَنجُو سُكّانُهَا؛


(١) انظر: «مخطوطة الأنس لزائر القدس» لعبد الله بن هشام الأنصاري، صورة مخطوطة مكتبة الإسكندرية، ورقة: ٥٨.
(٢) انظر: «كتاب البلدان»، ط. ليدن، ١٩٦٧ (ص: ٩٣، ٩٤).
(٣) المصدر نفسه (ص: ١١٥).

<<  <   >  >>