للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِذ لَابُدَّ لِلإِنسَانِ القَاطِنِ في مِثلِ هَذهِ الأَرضِ أَن يَكُونَ إِنسَانًا صَالِحًا، وَهَذا بِالطّبعِ مِمّا لَا خِلَافَ عَليهِ عِندَ المُسلِمينَ عَامَّةً.

أَمّا القَولُ بِأنّ الخَلِيفَةَ الأُمَوِيَّ عَبدَ المَلكِ بنَ مَروَانَ قَد أَرَادَ أَن يُضفِي عَلَى القُدسِ طَابعَ قَدَاسَةٍ خَاصَّةٍ بِبِنَائِهِ قُبَّةَ الصَّخرَةِ، أَو مَسجِدَ الصَّخرَةِ، مِن أَجلِ أَن يَتحَوّلَ النَّاسُ في حَجِّهم مِن مَكّةَ إِلَى القُدسِ فَقَولٌ مَرفُوضٌ في إِطَارِ العَقِيدَةِ الإِسلَامِيّةِ وَفِي إِطَارِ النُّصُوصِ الصَّحيحَةِ المَنقُولَةِ.

فَالخَلِيفَةُ الأُمَوِيُّ عِندَمَا عَزَمَ عَلَى بِناءِ مَسجِدِ قُبَّةِ الصَّخرَةِ لَم يَنطَلِق مِن فَراغٍ بِالنَّسبَةِ إِلَى مَكَانِ البِناءِ وَقَداسَتِهِ المُعتَرَفِ بِهَا أَصلًا، فَهوَ إِنَّما أَرَادَ أن يُقِيمَ مَسجِدًا وَقُبّةً فَوقَ الصَّخرَةِ التِي يَعتَقِدُ جَميعُ المُسلِمينَ بِأَنَّهُ قَد عُرِجَ بِالرَّسُولِ - عليه السلام - مِنهَا إِلى السَّمَاءِ، وَاستَشَارَ رَعيَّتَهُ في ذَلكَ قَبلَ أَن يَبدَأَ البِنَاءَ (١). فَالبِنَاءُ الذِي أقَامَه اكتَسبَ قَدَاسَتَه مِن المَوقِعِ الذِي بُنِي عَليهِ، وَليسَ العَكسُ. وَالرَّجُلُ الذِي اعتَمَدَ عَلَيهِ عَبدُ المَلكِ اعتِمادًا أسَاسِيًّا في بِناءِ مَسجِدِ الصَّخرَةِ، وَهُوَ رَجَاءُ بنُ حَيوَةَ، كَانَ مِن عُلَماءِ المُسلِمينَ، وَكَانَ صَدِيقًا لِعُمرَ بنِ ... عَبدِ العَزيزِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَلَم يَكُن هَذَا لِيشَارِكَ أَبَدًا في بِنَاءٍ يُقصَدُ بِه خَدِيعَةُ المُسلِمِينَ وَغِشُّهُم بِأن يَتحَوَّلُوا إِلَى الحَجِّ إِلَيهِ بَدَلًا مِن مَكّةَ. وَمِن البَدِيهِيّاتِ كَذلكَ أَنّ عَبدَ المَلكِ مَا كَانَ لِيُفَكِّرَ مُجرَّدَ التَّفكِيرِ في إِحلَالِ صَخرَةِ القُدسِ مَحلَّ الكَعبَةِ؛ وَذَلكَ لِأنَّهُ مَا مِن خَطَرٍ عَلَيهِ يُمكِنُ أَن يَكُونَ أَشدَّ مِن مُحاوَلَتِهِ تَحوِيلَ الحَجِّ عن مَكَّةَ، وَهُو رُكنٌ مِن أَركَانِ الإِسلَامِ المَفرُوضَةِ وَالمُبَيَّنَةِ في القُرآنِ الكَريمِ، وَلَو أَنّهُ فَعَلَ ذَلكَ لوُصِمَ بَالكُفرِ وَلَحلّ قِتالُهُ، بَل


(١) انظر: «فضائل بيت المقدس والخليل عليه الصلاة والسلام وفضائل الشام»، للمشرّف المقدسي، صورة مخطوطة توبنجن (ص: ٥٨).

<<  <   >  >>