للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَسُّونُ مِن تَضَاؤُلِ أَهَمِّيَةِ القُدسِ بَعدَ سُقوطِ الأُمَويِّينَ وَانتِقَالِ العَاصِمةِ مِن الشَّامِ إِلَى العِرَاقِ، وَيَستشهِدُ عَلَى ذَلكَ بِأنَّ الخَليفةَ العَباسِيَّ المَنصُورَ عِندَمَا طُلِبَ إِليهِ إِرسَالَ الأَموَالِ لِتَرمِيمِ الصَّخرَةِ أَمرَ بِأن تُضرَبَ صَفَائِحُ الذَّهبِ وَالفِضةِ التِي عَلَى أَبوَابِ المَسجِدِ لِيُنفَقَ عَلَى التَّرمِيمِ، وَبأَنَّ تَاجَ كِسرَى وَقَرنَي كَبشِ إِبرَاهِيمِ نُقلَت زَمنَ العَبَّاسِيّينَ مِن المَسجِدِ الأَقصَى إِلَى الكَعبَةِ (١).

أَمّا اهتِمَامُ خُلفَاءِ العَبّاسِيِّينَ بَالقُدسِ وَإِنزَالُهَا المَنزِلةَ التِي تَستَحقُّهَا في الإِسلَامِ فَتقُومُ عَليهِ عِدَّةُ أَدلَّةٍ تَنقُضُ رِوايَةَ حَسُّونَ مِن أَسَاسِهَا، فَالخَلِيفَةُ المَنصُورُ الذِي ذَكرَهُ إِسحَاقُ حَسُّونُ زَارَ القُدسَ شَخصِيًّا وَلَم يُكتَب إِليهِ كِتابَةً بَعدَ أَن كَانَ شَرقِيُّ المَسجِدِ وَغَربِيُّهُ قَد وَقعَا، مِمّا يَدلُّ عَلَى اهتِمَامِ الخَليفةِ العَبّاسِيِّ الخَاصِّ بِالقُدسِ وَالمَسجِدِ الأَقصَى. وَيُحدِّثنَا أَبُو المَعالِي المُشرَّفُ بنُ المُرَجَّى المَقدِسيُّ عن هَذهِ الزِّيارَةِ، فَيقُولُ: «فَلَمَّا قَدمَ أَبُو جَعفَرٍ، وَكَانَ شَرقَيُّ المَسجِدِ وَغَربِيُّهُ قَد وَقعَا فَرُفِعَ إِليهِ: يَا أَميرَ المُؤمِنينَ! قَد وَقعَ شَرقِيُّ المَسجِدِ وَغَربِيُّهُ ـ وَكَانَت الرَّجفَةُ سَنةَ ثَلاثِينَ وَمِئَةٍ في شَهرِ رَمضَانَ ـ. فَقَالُوا لَهُ: لَو أَمرتَ بِبنَاءِ هَذَا المَسجِدِ وَعِمارَتِه؟ فَقَالَ: مَا عِندِي شَيءٌ مِن المَالِ. فَأمَرَ بِقَلعِ الصَّفَائِحِ الذِّهَبِ وَالفِضَّةِ التِي كَانَت عَلَى الأَبوَابِ، فَضُرِبَت دَنَانِيرَ وَدَراهِمَ وَأُنفِقَ عَليهِ.» (٢).

وَمَعنَى ذَلكَ أَنّ الخَليفَةَ العَباسِيَّ، الذِي زَارَ القُدسَ شَخصِيًّا بَعدَ أَن تَولَّى الخِلَافَةَ بِوقتٍ قَصيرٍ، لَم يَمتَنع عن التَّرمِيمِ، بَل أَمَرَ بِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ بِإمكَانِهِ أَن يَضرِبَ صَفائِحَ الذَّهبِ وَالفِضَّةِ التِي عَلَى أَبوَابِ المَسجِدِ دَنَانيرَ وَدَراهِمَ


(١) انظر: Symposium, P.١٧٣.
(٢) انظر: مخطوطة: «فضائل بيت المقدس والخليل عليه الصلاة والسلام وفضائل الشام»، صورة توبنجن: (٦٣، ٦٤).

<<  <   >  >>