للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في مَكّةَ وَالمَدِينَةِ، مِمّا يَتنَاقَضُ مَعَ القَولِ بِأنَّهُ أَرادَ أَن يَصرِفَ النَّاسَ عن مَدِينَتَي الحِجَازِ المَقدَّسَتَينِ إِلَى مَدِينَةِ القُدسِ في فِلسطِينَ. فَقد ذَكَر اليَعقُوبِيُّ أَنّ الوَلِيدَ كَتبَ إِلَى عُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ، الذِي كَانَ عَامِلَهُ عَلَى المدِينَةِ، بَأن يُوسِّعَ مَسجِدَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأن يُدخِلَ فِيهِ المَنازِلَ التِي حَولَهُ، وَيُدخِلَ فِيهِ حُجرَاتِ أَزوَاجِ النَّبِيِّ، كَمَا بَعثَ إِلَى خَالِدِ بنِ عَبدِ اللهِ القَسرِيِّ وَالِيهِ إِذ ذَاكَ عَلَى مَكَّةَ بِثَلَاثِينَ أَلفِ دِينَارٍ، فَضُربَت صَفَائِحَ وَجُعِلَت عَلَى بَابِ الكَعبَةِ، وَعَلَى الأَسَاطِينِ التِي دَاخِلَهَا، وَعَلى الأَركَانِ وَالمِيزَابِ، فَكَانَ أَوّلَ مَن ذَهَّبَ البَيتَ في الإِسَلامِ (١).

وَرَوايَةُ اليَعقُوبِيِّ هَذِهِ تُؤَكِّدُهَا رَوَايةُ مُؤَرِّخٍ يُعتَبرُ مِن أَقدَمِ مَن أرَّخُوا لمَكَّةَ، ذَلكَ هُو أَبُو الوَلِيدِ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ ـ أَو ابنُ عبدِ الكرِيمِ ـ بنِ أحمدٍ الأَزرَقِيُّ. فَقد ذَكرَ الأَزرَقِيُّ في كِتابِهِ (أَخبَارُ مَكَّةَ) أَنَّ الوَليدَ بنَ عَبدِ المَلكِ عَمَّرَ المَسجِدَ الحَرامَ وَكَانَ إِذَا عَمِلَ المَساجِدَ زَخرَفَهَا، وَقَالَ: «فَنقَضَ عَملَ عَبدِ المَلكِ وَعَمِلَ عَملًا مُحكَمًا، وَهوَ أَوّلُ مَن نَقلَ إِليهِ أَساطِينَ الرُّخَامِ، فَعمَلَهُ بِطَاقٍ وَاحِدٍ بِأسَاطِينِ الرُّخَامِ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ المُزخرَفِ، وَجَعلَ عَلَى رُؤُوسِ الأَساطِينِ الذَّهَبَ عَلَى صَفَائِحِ الشَّبَهِ، وَأَزَرَّ المَسجِدَ بِالرُّخَامِ مِن دَاخِلِهِ، وَجَعلَ عَلَى وَجهِ الطِّيقَانِ في أَعلَاهَا الفُسَيفِسَاءُ، وَهُوَ أَوّلُ مَن عَمِلَهُ في المَسجِدِ الحَرامِ، وَجَعلَ لِلمَسجِدِ شُرَافَاتٍ، وَكَانت هَذهِ عِمَارَةُ الوَليدِ بنِ عَبدِ المَلكِ.» (٢).

وَمِنَ الحُججِ الغَريبةِ التِي أَورَدَهَا كُتَّابُ اليَهودِ لِلتّدلِيلِ عَلَى أنَّ قَدَاسَةَ القُدسِ إِنَّمَا كَانَت مُرتَبطَةً بِعوَامِلَ سِياسِيَّةٍ زَمنَ بَنِي أُمَيَّةِ مَا أَورَدَهُ إِسحَاقُ


(١) تاريخ اليعقوبي (٣/ ٢٩).
(٢) انظر: «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» ط. مكة المكرمة ١٩٦٥، (٢/ ٧١، ٧٢).

<<  <   >  >>