للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَيَقُولُ اليَعقُوبِيُّ وَهوَ يَتحَدَّثُ عن حَجِّ عَبدِ المَلكِ في السَّنَةِ المَذكُورَةِ إِنّهُ بَدَأَ بِالمَدِينَةِ، وَلَما أَرَادَ الانصِرَافَ بَعدَ الحَجِّ وَقَفَ عَلَى الكَعبَةِ وَقَالَ: «واللهِ! إِنِّي وَدِدتُ أَنِّي لَم أَكُن أَحدَثتُ فِيهَا شَيئًا وَتَركتُ ابنَ الزُّبَيرِ وَمَا تَقَلَّدَ.» (١)، فَهُوَ هُنَا إِذَن يَشعُرُ بِالنَّدَمِ لِأنَّهُ أَباحَ لِقَائِدِه الحَجَّاجِ أَن يَضرِبَ الكَعبَةِ بالمَجَانِيقِ خِلَالَ اعتِصامِ عَبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ بِها.

وَيُعدِّدُ لَنَا اليَعقُوبِيُّ نَفسُه بَعدَ ذَلكَ الذِينَ أَقامُوا الحَجَّ لِلنَّاسِ مِن رِجَالِ الأُمَوِيِّينَ خِلَالَ السَّنَواتِ مِن ٧٢ حَتَّى ٨٥ هـ، وَمِنهُم عَبدُ المَلكِ نَفسُهُ، وَابنُهُ سُلَيمَانُ، وَأبَانُ بنُ عُثمَانَ بنِ عَفّانَ، وَالحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ (٢).

وَلَا نَشُكُّ في أَنّ تَشَيُّع اليَعقُوبِيِّ الصَّرِيحِ هُو الذِي دَفَعَهُ إِلَى مُحَاولَةِ تَشوِيهِ سُمعَةِ الأُمَويِّينَ، وَلكِنّهُ لَم يَكُن مُتَحرِّزًا فِيمَا أَورَدَهُ وَلَا مُنسِجِمًا مَعَ نَفسِهِ في رِوَايَاتِهِ المُتَنَاقِضَةِ.

وَالمَصدَرُ القَدِيمُ الثَّانِي الذِي يُورِدُ قِصةَ مَنعِ الحَجِّ إِلَى مَكَّةَ خِلَالَ الحُكمِ الأُمَوِيِّ هُو ابنُ البِطرِيقِ، وَلَو أَنّهُ حَصَر هَذَا المَنعَ بِخِلَافَتَي عَبدِ المَلكِ وَالوَليدِ دُونَ غَيرِهِمَا مِن خُلَفاءِ بَنِي أُمَيَّة (٣). وَإِذَا كَانَ مَا أَورَدنَاهُ في الأَسطِرِ السَّابِقَةِ كَافِيًا لِدَحضِ رِوايَةِ ابنِ البِطرِيقِ هَذهِ، فَإِنّ مَا أَورَدهُ اليَعقُوبِيِّ نَفسُه يَنفِي عن الوَلِيدِ، مِثلَ مَا نَفَى عن وَالِدِهِ، أَن يَكُونَ مَا نُسبَ إِليهِ صَحِيحًا.

فَاليَعقُوبِيُّ يُقَدِّمُ لَنَا في تَارِيخِهِ قَائِمَةً بِرجَالِ بَنِي أُمَيَّةَ الذِينَ أَقَامُوا الحَجَّ زَمَنَ الوَلِيدِ (٤)، وَيُحدِّثُنَا عن اهتِمَامٍ خَاصٍّ لِلوَلِيدِ بنِ عبدِ المَلكِ بِمُقدَّسَاتِ الحِجَازِ


(١) تاريخ اليعقوبي (٣/ ١٩).
(٢) المصدر نفسه (ص: ٢٦).
(٣) انظر: " Journal of the American Oriental Society" VOI. LXX ١٩٥٠, P.١٠٤.
(٤) انظر: «تاريخ اليعقوبي» (٣/ ٣٥).

<<  <   >  >>