للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الغَزوِ الصَّلِيبِيِّ لِلمَدِينَةِ، ثُمَّ احتِلَالِ الصَّلِيبِيِّينَ لَهَا بَعدَ ذَلكَ، فُيُرَدُّ عَلَيهِ في إِطَارَينِ أَوَّلُهُما يَتَعلَّقُ بِتَبَادُلِ المَدِينَةِ في القَرنِ الخَامِسِ الهِجرِيِّ بَينَ السَّلَاجِقَةِ السُّنِّيِّينَ في الشَّامِ وَبَينَ الفَاطِمِيّينَ الشِّيعَةِ في مِصرَ، وَثَانِيهُمَا يِتَعَلَّقُ بِسُقُوطِ المَدِينَةِ في يَدِ الفِرِنجِ ـ الصَّلِيبِيّينَ ـ عَامَ ٤٩٢ هـ.

أَمَّا دُخُولُ القُدسِ في دَولَةِ السَّلَاجِقَةِ تَارَّةً وَفِي دَولَةِ الفَاطِمِيّينَ تَارَّةً أُخرَى فَي القَرنِ الخَامِسِ الهِجرِيِّ، فَإِن الأَمرَ لَم يَعدُ في ذَلكَ الوَقتِ أَن يَكُونَ ... ـ بِالنِّسبَةِ إِلَى المُسلِمِينَ الذِينَ كَانُوا يَعِيشُونَ في عَصرٍ غَيرِ مُستَقِرٍّ سِيَاسِيًّا، وَفِي ظِلِّ خِلَافَةٍ عَبَّاسِيَّةٍ فَقدَت سَيطَرَتَهَا الحَقِيقِيَّةِ عَلَى الأَقَالِيمِ ـ صِرَاعًا دَاخِليًّا بَينَ دَولَتَينِ مُسلِمَتَينِ مُتَنَافِسَتَينِ، لَا يَنبَنِي عَلَيهِ خُروجُ مَدينَةٍ مُسلِمَةٍ مِن دِيَارِ الإِسلَامِ إِلَى دِيَارِ الأَعدَاءِ مِن غَيرِ المُسلِمِينَ، وَلَاسِيَّمَا أَنَّ الأَمرَ بَينَ السَّلَاجقَةِ وَالفَاطِمِيِّينَ في تِلكَ الفَترَةِ كَانَ أَمرَ تَنَازُعٍ عَلَى الأَطرَافِ بَينَ دَولَتَينِ دُونَ أَن يُفضِي إِلَى القَضَاءِ كُلِّيَّةً عَلَى أَيٍّ مِنهُمَا، وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلكَ رَدَّةُ الفِعلِ القَوِيَّةُ التِي تَبِعَت قَضَاءَ صَلاحِ الدِّينِ الأَيُّوبِيِّ عَلَى دَولَةِ الفَاطِمِيِّينَ في مِصرَ عَامَ ٥٦٧ هـ، وَمَا تَرَكَتهُ مِن صَدَى بَهجَةٍ عَظِيمَةٍ بَينَ النَّاسِ في الشَّامِ وَالعِرَاقِ، بَل وَفِي مِصرَ نَفسِهَا، إِذ رَأَوا في القَضَاءِ عَلَى دَولَةِ الفَاطِمِيِّينَ وَعَودَةِ مِصرَ إِلَى الخِلَافَةِ العَبَّاسِيَّةِ السُّنيّةِ في بَغدَادَ حَدَثًا جَلِيلًا كُتِبَ فِيه شِعرٌ كَثِيرٌ وَنَثرٌ كَثِيرٌ يَفِيضَانِ بِمَشَاعرِ السُّرُورِ وَالفَرَحِ (١).

وَأَمَّا ادِّعَاءُ سِيفَانَ بِأَنَّهُ لَم يَكُن ثَمَّةَ صَدًى لِاحتِلَالِ الفِرِنجِ لِلمَدِينَةِ المُقدَّسَةِ سَنَةَ ١٠٩٩ م = ٤٩٢ هـ فَهُوَ ادِّعَاءٌ يَنقُضُهُ أَيُّ كِتَابٍ مِن كُتُبِ التَّارِيخِ


(١) انظر ردة الفعل للقضاء على الدولة الفاطمية في كتاب أبي شامة: «كتاب الروضتين في تاريخ الدولتين: النورية والصلاحية»، الجزء الأول، القسم الثاني، ط. القاهرة ١٩٦٢، (ص: ٤٩٦).

<<  <   >  >>