للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في القُدسِ، وَلَكِنَّهُ خَشِيَ أَن يَشُقَّ عَلَى الصَّالِحينَ مِن المُسلِمِينَ مِن بَعدِهِ إِذَا هُو نُقِلَ مِن مَكَانِ مَوتِهِ إِلَى المَدينَةِ المُقدَّسَةِ ليُدفَنَ فِيهَا، فَآثرَ أَن يُخفِّفَ عَلَى اللَّاحِقِينَ مِن أَبنَاءِ دِينِهِ، إِذ تَخَوَّفَ مِن أَن يَكُونَ نَقلُ المَيِّتِ مِن ذَوِي المَكَانَةِ في الإِسلَامِ إِلَى القُدسِ مِن أَجلِ أَن يُدفَنَ فِيهَا سُنَّةً تُتَّبَعُ مِن بَعدِهِ بِكُلِّ مَا قَد يَنبَنِي عَلَيهَا مِن مَشَقَّاتٍ في ظُرُوفٍ مُختَلِفَةٍ.

وَحَتَّى مَعَ هَذَا التَّحَوُّطِ وَالشَّفقَةِ عَلَى المُسلِمِينَ مِن أَبِي عُبَيدَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَجِدُ أَنَّ رِجَالًا مِن المُسلِمِينَ في قُرُونٍ لَاحِقَةٍ قَد نُقِلُوا بَعدَ وَفَاتِهِم إِلَى القُدسِ مِن أَجلِ أَن يُدفَنُوا فِيهَا. فَقَد ذَكَرَ مُحمّدُ بنُ يُوسَفَ الكِندِيُّ في كِتَابِهِ (وُلَاةُ مِصرَ) أَنَّ أَبَا الحَسنِ عَليَّ بنَ الإِخشِيدِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ٣٥٥ هـ، فَحُمِلَ في تَابُوتٍ إِلَى البَيتِ المُقَدَّسِ، وَدُفنَ مَعَ أَخِيهِ وَوَالِدِهِ بِبَابِ الأَسبَاطِ (١). وَعِندَمَا استُشهِدَ الأَمِيرُ بَدرُ الدِّينِ الهَكَّارِيُّ عَلَى أَيدِي الفِرِنجِ قَرِيبًا مِن دِمَشقَ نُقِلَ جُثمَانُهُ إِلَى القُدسِ، ودُفِنَ في تُربَةِ مَاملَّا (٢).

بَل إِنَّنَا نَجِدُ في قَرنِنَا هَذَا أَنّ اثنَينِ مِن رِجَالِ الإِسلَامِ البَارِزِينَ قَد دُفِنَا في سَاحَةِ المَسجِدِ الأَقصَى، وَهُمَا الشَّرِيفُ حُسَينُ شَرِيفُ مَكَّةَ، وَمُحَمّدُ عَلِيٌّ الهِندِيُّ، بِاعتِبَارِ ذَلكَ نَوعًا مِنَ التَّكرِيمِ لَهُمَا بَعدَ مَوتِهِمَا.

أَمَّا قَولُ سِيفَانَ Emanuel Sivan وَهُوَ يُحَاوِلُ أَن يَخلُصَ إِلَى أَنَّ القُدسَ لَم تَحتَلَّ في ضَمِيرِ العَالَمِ الإِسَلامِيِّ المَكَانَةَ التِي تُوحِي بِهَا الأَحَادِيثُ النَّبَويَّةُ التِي تُروَى في فَضلِهَا، إِنَّ الأَوسَاطَ السُّنِّيَّةَ في الإِسلَامِ لَم تُبدِ حَمَاسًا لِتَحرِيرِ المَدِينَةِ مِن الفَاطِمِيّينَ، كَمَا لَم يَكُن ثَمَّةَ صَدًى لِإِعَادةِ احتِلَالِ الفَاطِمِيِّينَ لَهَا قَبلَ


(١) كتاب «ولاة مصر» ط. دار صادر، بيروت (ص: ٣١٣).
(٢) «ذيل الروضتين» نشر دار الجيل، بيروت ١٩٧٤، ط ٢، (ص: ١٠٨).

<<  <   >  >>