قال: فلما قرأ الإسكندر جوابه وسمع بذكر هذه الأشياء قلق إليها قلقاً عظيماً، فأرسل إليه جماعة من الحكماء أن يشخصوه إليه إن كان كاذباً وأن يخيروه في المقام إن كان صادقاً ويأتوه بهذه الأربع. فمضى القوم إلى ملك الهند فتلقاهم أحسن لقاء وأنزلهم أرحب منزل وأكرمهم أعظم إكرام مدة ثلاثة أيام. فلما كان اليوم الرابع جلس لهم مجلساً خاصاً وأقبل على الحكماء وباحثهم في أصول الحكمة والفلسفة والعلم الإلهي والمبادئ الأول والهيئة والأرض ومساحتها والبحار وغيرها، حتى ملأ صدورهم من العلم والحكمة. ثم أخرج ابنته إليهم وأبرزها عليهم فلم يقع أحدهم على عضو من أعضائها فأمكنه أن يتعدى ببصره عن ذلك العضو إلى غيره، وشغله تأمل ذلك العضو وحسن تخطيطه واتقان صنعه. فخافوا على عقولهم من الزوال، ثم رجعوا إلى نفوسهم عند سترها وقد اندهشوا، وسير صحبتهم القدح والطبيب والفيلسوف، وودعهم مسافة من الأرض بعد أن خيروه في المقام.
فلما ورد ذلك على الإسكندر أمر بإنزال الطبيب والفيلسوف في دار الضيافة والإكرام، ونظر إلى الجارية فطاش عقله عند مشاهدتها وشغف بها، وكان الإسكندر إذ ذاك ابن خمس وعشرين سنة، وكان من أحسن الناس خلقاً وخلقاً، وأكثر الملوك إنصافاً وعدلاً، وأغزر الخلق معرفة وحكمة، وأعظم الملوك هيبة وصيتاً، فأمر القيمة بإكرامها واحترامها وتعظيمها وتقديمها على سائر حرمه وأهله.
ثم قصت الحكماء ما جرى بينهم وبين ملك الهند من المباحث، فأعجب الإسكندر وامتحن القدح بأن ملأه ماء فشرب منه جميع عسكره ولم ينقص منه شيء. وسار في الحال إلى الفيلسوف يمتحنه فيما قيل عنه بإناء مملوء من السمن يحيث لا يمكن أن يزاد فيه شيء، وقال للرسول: سر به إلى الفيلسوف وضعه بين يديه ولا تخبره بشيء أصلاً. فلما وصل به وضعه بين يديه ووقف ولم يكلمه فأخذه الفيلسوف