ثم قال له الاسكندر: يا رئيس حدثني بما كان بيني وبينك من الرسائل، فقال: أيها الملك أرسلت إلي بإناء مملوء من سمن لا يمكن أن يزاد فيه، تخبرني أنك قد امتلأت من الحكم فلا يمكن أن يزاد على حكمتك شيء، فأخبرتك أن عندي من دقائق الحكم ولطائفها ما ينفذ في حكمتك كما نفذت الإبر في السمن. ثم أرسلت إلي بالإبر كرة، فأخبرتني أن نفسك قد علاها من وسخ الصدأ بقتل الأعداء وسفك الدماء ما قد علا هذه الكرة، فأخبرتك أن عندي من الحيلة والملاطفة ما يجعل نفسك مثل صفاء هذه المرآة حتى تشرق على الموجودات، ثم أعلمتني بالطست والماء أن الأيام والليالي قد قصرت عن ذلك فأخبرتك أني سأعمل في الحيلة على إيصالك إلى العلم الكثير في العمر القصير، كما شرفت الحديد الذي من طبعه الرسوب في الماء على وجه الماء فثقبت المقعر وملأته تراباً، تخبرني بالموت والقبر، فلم أغيره مخبراً للملك أن لا حيلة في الموت.
فتعجب الاسكندر وقال: والله ما غادر ما خطر بخاطري. ثم أمر له بخلع وأموال كثيرة فأبى وقال: أنا راغب فيما يزيد في عقلي، فكيف أُدخل على عقلي ما ينقصه؟ أيها الملك أحسن إلى أهل الهند وكف عن معارضتهم.
وقيل: إن القدح الذي شرب منه عسكر الاسكندر وما نقص منه شيء هو قدح آدم أبي البشر عليه السلام، معمول من ضروب الخواص والروحانية؛ وشاهد من الطبيب من لطائف صنائعه ما بهر عقله، ومن عجائب علاجه وتلطفه في إزالة الآفات والأدواء.
وقيل: مر ببابل فأُخبر عن غار هناك وبه آثار عظيمة، فأتاه ووقف على بابه فإذا عليه مكتوب بالسرياني: يا من نال المنى وأمن الفنا وقد وصل إلى هنا، اقرأ وافتكر