للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأمثاله، وإنْ لم يظفر الإمام بعينه فإنّه يعاقب بالمال، كما مرّ تفصيله.

وأما إذا غصب شخص مالاً لآخر، أو أتلفه بغرق أو حرق، ونحو ذلك تعدّياً ١: فإنّه يغرم ما غصبه وما أتلفه لربه، ولو بجاهه، كما تقدّم في الفصل الثالث. [١٧/أ]

فإن أراد الحاكم أنْ يغرمه بعد ذلك مالاً بدل ما لزمه من الأدب على جرئته، وتلبّسه بمعصيته، أو تمحّضت معصية الله كالصيد في الحرم، والشتم بغير قذف، أو بقذف، وعفا عنه المقذوف- إذْ ما من حقّ لآدمى إلاّ وفيه حق الله- وككتمان الجواسيس، والغصاب، والأكل في نهار رمضان، ونحو ذلك، فإنه يجري ٢ على ما مرّ من الخلاف المتقدّم.

فيجوز: على ما للشافعي في قوله القديم، وعليه المتأخرون، حيث تعذّر أدبه.

ولكن لم أقف على القدر الذي يعاقب به العاصي- على القول به- وظاهر كلامهم: أنه باجتهاد الإمام، فيغرم كل واحد بقدر ما ينزجر به، وذلك يختلف باختلاف عظم جريرته، وبحسب الشخص من تمرده على العصيان، وعدم تمرّده، ولو أدى ذلك إلى أخذ ماله كلّه، حيث كان لا ينفكّ إلاّ به.

فالعقوبة بالمال حينئذ منظور فيهما- أيضاً-: إلى قوة تهمته، وكثرة تمرّده.

أمّا ما يفعله بعض جهّال العمّال، والقواد اليوم، من مجاوزة الحدّ في الإغرام، لكونهم لا ينظرون إلى ما تقدّم، بل إلى كثرة مال صاحب المذنب وقلّته، ولا ينظرون إلى كون الذنب وقع منه فلتة ٣، ولا إلى كونه متمرداً على العصيان أم لا، بل ويأخذون ما أتلفه الغاصب ونحوه، ولا يدفعون لربه شيئاً، أو يدفعون له الشيء القليل، فهو خرق للكتاب، والسنّة، والاجماع.


١ - أي: ظلماً وتجاوزاً. (الرازي- مختار الصحاح: ٣٣١، البستاني- فاكهة: ٩١٥).
٢ - في "ب" (يحرم) وهو خطأ.
٣ - الفلتة: الأمر يحدث من غير رويّة واحكام، ويقال (الهفوة غير المقصودة). (المعجم الوسيط:٢/ ٧٠٦).

<<  <   >  >>