للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاةدُوا مِنْكُمْ} ١ أي: أحسبتم: أن تتركوا فلا تؤمروا بالقتال في الجهاد، ولا تمتحنوا ليظهر الصادق في إيمانه من الكاذب، ويتميّز كل على الانفراد ٢، وقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} ٣ أي: لنعاملنّكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالقتال والجهاد، حتى يتبيّن الصابر على دينه من غيرم، وتظهر أخباركم للحاضر والباد ٤.

فتنبّهوا- أيّدكم الله-!: فإنكم بهذه الآيات القرآنية المخاطبون، وبالأحاديث المصطفيّة المقصودون، إذ بيدكم الحلّ والعقد، والرعيّة في طوعكم، فكيف بأمرها بالجهاد تبخلون!؟ - وأنتم خلفاء الله في أرضه- فكيف على دينه لا تغيرون!؟، أأمنتم مكر الله- {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} -!؟ ٥، أأتخذتم عند الله عهداً، فأنتم عليه متوكّلون!؟ ٦، أم تعتقدون: أن كفاركم اليوم لا يقصدونكم بالقتال والجهاد؟، أم تقولون: نحن اشتغلنا اليوم بجهاد أنفسنا ورعيّتنا، (بالخدمة) ٧ على الأولاد؟!.

والنبي- عليه الصلاة والسلام-: إنما بعثه الله مجاهداً، وفي هذا العرض الأدنى زاهداً، متقنّعاً باليسير، وهو: يستعدّ لعدوّه الاستعداد الكبير، فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون؟، وإذا لم تهتدوا به فبمن تهتدون؟، وإذا لم تشمّروا ٨ عن


١ - سورة التوبة / آية ١٦، وتمامها: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
٢ - أنظر: القرطبي- "الجامع لأحكام القرآن ": ٨/ ٨٨.
٣ - سورة محمد / آية ٣١، وتمامها: {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}.
٤ - قال القرطبي: ("ولنبلونّكم" أي: نتعبّدم بالشرائع وإن علمنا عواتب الأمور، وقيل: لنعاملنّكم معاملة المختبرين، {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}، قال ابن عباس: {حَتَّى نَعْلَمَ}، حتى نميّز، وقال علي- رضي الله عنه-: {حَتَّى نَعْلَمَ}، حتى نرى). (الجامع لأحكام القرآن: ١٦/ ٢٥٣).
٥ - سورة الأعراف / آية ٩٩.
٦ - في "ب" (متّكلون).
٧ - ساقطة من "الأصل"، والإضافة من "ب" و"ج" و"د".
٨ - من شمّر ازاره تشميراً: رفعه، والتشمير في الأمر، السرعة فيه والخفة، ويقال: "شمّر عن

<<  <   >  >>