وقد كان من بينهم العلماء الذين بذلوا أنفسهم في الدفاع عن عقيدتهم وأوطانهم وألّفوا في ذلك المؤلفات الجمّة في القديم والحديث، لبيان خطر العدوّ الداهم، وما ينجز عن خذلان المسلمين وتقاعسهم لإعلاء كلمة الله وصدّ كيد أعدائه.
ورغبة منى في الإسهام في بثّ روح الجهاد في المسلمين، أحببت أن يكون موضوع أطروحتي لنيل دكتوراه الحلقة الثالثة في الجهاد، فبذلت قصارى جهدي في البحث والتنقيب في تراثنا الفقهي علّني أجد ما يفي بهذه الرغبة، ويحقّق هذه الأمنية، فعثرت على كتاب ـ[أجوبة التُّسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد]ـ ولرغبة داخلية للعمل في مجال التحقيق والبحث، إلى جانب تشجيع الأساتذة الأجلاّء الذين قمت باستشارتهم، اخترته موضوعاً لهذه الأطروحة، لعدّة أسباب:
١ - إنه يعتبر من نوادر كتب الجهاد الإسلامي، فقد تضمّن أحكاماً جهاديّة فقهيّة عالية، شملت جميع أنواع الجهاد النابعة من الوقائع التي حدثت في ذلك العصر الذي أَلّف فيه، فلم لكن مجرّد مُؤَلَّفٍ قام كاتبه بتصنيفه من وحي فكرة عارضة، وإنما هو رسالة جهادية نابعة من أحداثٍ عاصرت هذه الرسالة، وكانت مشابهة لكثير من أحداث عصرنا.
٢ - وهو يصوّر الواقع السياسي والاجتماعي في المغرب العربي في تلك الفترة.
٣ - كما أنّه وثيقة أصليّة في السعي الحثيث لإقامة وحدة المغرب العربي، وتوثيق الصلات والروابط والتعاون بين شعبه.
٤ - وهو يعتبر مبدأ المراسلات بين الأمير عبد القادر الجزائريّ والمولى عبد الرحمن بن هشام للاستفتاء والتعاون في صدّ الخطر الداهم، باعتبار أنّه أوّل رسالة بينهما بعد احتلال الفرنسيين للجزائر، أراد بها الأمير عبد القادر أن يشعر المولى عبد الرحمن وينبهه بضرورة التعاون والتعاضد لطرد المستعمر الغاصب.
٥ - أنّه أوّل مظهر من مظاهر يقظة المغرب الحديث في الناحية الجهاديّة.