للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآراء لا دخل لها في صلب الشريعة، فلا ضرورة في حفظها. سلمنا، ولكن ذلك منقوض بالنائب. (١) وقد يقال بأن وجود المعصوم لو كان ضروريا للأمن من الخطأ لوجب أن يكون في كل قطر بل في كل بلدة، إذ الواحد لا يكفي للجميع بل هو مستحيل بداهة لانتشار المكلفين في الأقطار، والحضور مستحيل عادة، ونصب نائب لا يفيد لجواز الخطأ وعدم إمكان التدارك لا سيما في الغيبة والوقائع اليومية إذ الإطلاق ممنوع، وعلى تسليمه الإعلام إما برسول (٢) ولا عصمة، أو بكتاب والتلبيس جائز. على أن الفهم إنما هو استعمال قواعد الرأي وضوابط القياس، والكل مظنة الخطأ، فلا يحصل المقصود إلا بنصب معصوم في كل قطر وهو محال.

التنبيه الرابع: الإمام لا يلزم أن يكون منصوصا من الباري تعالى، لأن نصبه واجب على العباد كما تقدم، فتعيين الرئيس مفوض إليهم، وهو الأصلح لهم. وقالت الإمامية لا بد أن يكون منصوصا من قبله تعالى، كما أن نصبه واجب عليه تعالى. (٣) وهذا مخالف للعقل والنقل. أما الأول فقد مر، وأما الثاني فلقوله تعالى {وجعلناهم أئمة}، {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة}، {وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض} إلى غير ذلك، ولم يكن في احد من تلك الفرق نص بل كان برأي أهل الحد والعقد، فمعنى الجعل إلقاء اختياره في قلوب مسموعي القول فينصبوه، فإن عدل فعادل وإلا فجائز. وقد قيس طالوت بعصا الملوك فساواها فملك (٤) كما لا يخفى على المتتبع فافهم، والله تعالى اعلم.

التنبيه الخامس: لا يلزم أن يكون الإمام أفضل أهل العصر عنده تعالى، إذ قد خلف طالوت وداود وشمويل موجودان. نعم لا بد لأهل الحد والعقد من نصب الأفضل رياسة وسياسة لا عبادة ودراسة. والشيعة على خلاف هذا. وقد علمت ردهم إجمالا. واشترطوا ما اشترطوا لنفي الخلافة عن الثلاثة لعدم العصمة والنص، وفي الأفضلية مجال بحث. وهذه نبذة يسيرة في الرد، وسيأتي التفصيل في إثبات الخلافة إن شاء الله تعالى.


(١) المرجع الديني
(٢) أي رسول الإمام
(٣) قال ابن المطهر الحلي: «يجب أن يكون الإمام منصوصا عليه من قبل الله تعالى ليعلم استحالة ذلك منه، وذلك هو المعصوم ولا يحسن من الحكيم توليته غير المعصوم». الألفين: ص ٨٣، وقال الطبرسي: «إن الإمام لا بد أن يكون معصوما منصوصا عليه». أعلام الورى: ص ٢٠٦.
(٤) قال ابن كثير: «قيل: كان الله قد أوحى إلى شمويل أن أي بني إسرائيل كان طوله طول هذه العصا، وإذا حضر عندك يفور هذا القرن الذي فيه من دهن القدس فهو ملكهم، فجعلوا يدخلون ويقيسون أنفسهم بتلك العصا فلم يكن أحد منهم على طولها سوى طالوت، ولما حضر عند شمويل فار ذلك القرن فدهنه منه وعيَّنه للملك عليهم». قصص الأنبياء: ص ٤٨٢.