للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورده إليه لا الاستنباء، إذ قد ثبت قبل بقوله تعالى {وإن يونس لمن المرسلين إذ أبقى إلى الفلك المشحون} بخلاف ما نحن فيه، كذا قيل، فليتأمل. وأما أقوال العترة فقد أسلفنا قول الأمير «لابد للناس» الخ وأيضا روى في الكافي ما قال الأمير لأصحابه «لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطئ» (١) والحمل على المشورة الدنيوية يأباه الصدر كما لا يخفى. وأيضا روى صاحب الفصول عن أبي مخنف (٢) أنه قال: كان الحسين يبدي الكراهة من صلح أخيه الحسن مع معاوية ويقول: لو جز (٣) أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي. (٤) وإذا خطأ أحد المعصومين الآخر ثبت خطأ أحدهما بالضرورة لامتناع اجتماع النقيضين.

وأيضا في الصحيفة الكاملة (٥) للسجاد «وقد ملك الشيطان عناني في سوء الظن وضعف اليقين، وإني أشكو سوء محاورته لي وطاعة نفسي له» فظاهر أنه - على الصدق والكذب - مناف للعصمة. (٦)

ومن أدلتهم على العصمة أن الإمام لو لم يكن معصوما لزم التسلسل. بيان الملازمة أن المحوج للنصب هو جواز الخطأ للأمة، فلو جاز الخطأ عليه أيضا لافتقر إلى آخر وهكذا، فيتسلسل. (٧)

ويجاب بمنع أن المحوج ما ذكر، بل المحوج تنفيذ الأحكام ودرء المفاسد وحفظ بيضة الأسلام مثلا، ولا حاجة في ذلك إلى العصمة، بل الاجتهاد والعدالة كافيان. ولما لم يكن إثم على التابع إذ ذاك استوى جواز الخطأ وعدمه. سلمنا لكن التسوية ممتنعة بل تنتهى السلسلة إلى النبي. سلمنا لكنه منقوض بالمجتهد النائب عن الإمام في الغيبة عند الإمامية، (٨) وليس بمعصوم إجماعا فيلزم ما لزم، والجواب هو الجواب.

ومن الأدلة أيضا أنه حافظ للشريعة (٩) فكيف الخطأ؟ ويجاب بالمنع، بل هو مروج، والحفظ بالعلماء لقوله تعالى {الربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} (١٠) وقوله تعالى {كونوا ربانيين بما كنتم تدرسون}. وأيضا إذا كان الحفظ بالعلماء زمن الفترة وفي الغيبة على ما في كشكول الكرامة للحلي (١١) ففي الحضور كذلك. سلمنا، لكن الحفظ بالكتاب والسنة والإجماع، لا بنفسه، ويمتنع الخطأ في هذه الثلاثة،


(١) الكافي: ٨/ ٣٥٨؛ نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ١١/ ١٠١.
(٢) أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد الأزدي الكوفي الأخباري، عده الطوسي من رجال علي ومن أصحاب الحسن والحسين - رضي الله عنهم - ا (فهرست الطوسي: ص ٣٨١)، ولكن الحلي ومحققي الإمامية قالوا إن الراجح أن الطوسي يعني أباه يحيى (الخلاصة: ص ١٣٦).
(٣) في كتب الإمامية (حزَّ).
(٤) الأربلي، كشف الغمة عن معرفة الأئمة: ٢/ ٣٥.
(٥) قال عنها الطهراني: «الصحيفة السجادية الأولى المنتهى سندها إلى الإمام زين العابدين المعبر عنها (أخت القرآن) و (إنجيل أهل البيت) و (زبور آل محمد) ... وهي من المتواترات عند الأصحاب ... ». الذريعة: ١٥/ ١٨.
(٦) السجاد هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
(٧) قال نصير الدين الطوسي: «وامتناع التسلسل يوجب عصمته، ولأنّه حافظ للشرع، لوجوب الإنكار عليه لو أقدم على المعصية فيضاد أمر الطاعة، ويفوت الغرض من نصبه، ولانحطاط درجته عن أقل العوام». كشف المراد في شرح صحيح الاعتقاد: ص ٢٦٤.
(٨) ويسمى عند الإمامية المرجع الديني أو آية الله أو الحجة، وهو بمثابة الحكومة أو الحاكم، فقد جاء: «اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين أو للنبي أو وصي نبي». الكافي: ٧/ ٤٠٦؛ من لا يحضره الفقيه: ٣/ ٥. قال الشوشتري: «فإن المأذون من قبلهما [النبي أو الوصي] ينطبق عليه عنوان الوصي ولو عناية كوكيل الوصي، فيكون المجتهد ممن عهد إليه هذا المنصب، وظاهر الرواية المتقدمة نفي الولاية العرضية عن غير النبي والإمام عليهما السلام لا نفي الولاية الطولية الحاصلة بالأذن». منتهى الدراية: ٨/ ٤٠٩.
(٩) قال المجلسي: «فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول، فسدوا على نحو ما بينّا، وغُيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان ذلك فساد الخلق أجمعين». بحار الأنوار: ٢٣/ ١٩.
(١٠) قال القرطبي: «الربانيون وأحدهم رباني منسوب إلى الرب والرباني الذي يربى الناس بصغار العلم قبل كباره وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور». الجامع لأحكام القرآن: ٤/ ١٢٢. وقال المجلسي: «الربانيون الذين علت درجتهم في العلم والأحبار العلماء الكبار {بما استحفظوا} أي بما استودعوا من كتاب الله وبما أمروا بحفظ ذلك والقيام به وترك تضييه». بحار الأنوار: ١٣/ ٢٠٢.
(١١) جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن علي الحلي (ت ٧٢٦). الذريعة: ١٨/ ٧٣.