للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:
مسار الصفحة الحالية:

بقية خبر الدارقطني عن إرسال معاوية رسولا - وهو أبو الأعور الذاكواني - إلى عمرو بن العاص يعاتبه، وأن عمرا أتى معاوية وجرى بينهما حوار وعتاب، فقال عمرو لمعاوية: «عن الضجور قد تحليت العلبة» وهو مثل معناه أن الناقة الضجور التي لا تسكن للحالب قد ينال الحالب من لبنها ما يملأ العلبة. فقال له معاوية «ونربذ الحالب فتدق أنفه وتكفأ إناءه».

فرواية الدارقطني هذه - وهو من أعلام الحديث - عن رجال عدول معروفين بالتثبت ويقدرون مسئولية النقل، هي التي تتناسب مع ماضي عمرو وأبي موسى وأيامهما في الإسلام ومكانتهما من النبي - صلى الله عليه وسلم - وموضوعهما من ثقة الفريقين بهما واختيارهما من بين السادة القادة المجربين. وأما الافتئات على أبي موسى والإيهام بأنه كان أبله فهو أشبه بالرقعة الغربية في ردائه السابغ الجميل. يقول القاضى أبو بكر بن العربي (ص ١٧٤): «وكان أبو موسى رجلا تقيا ثقفا فقيها عالما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن مع معاذ، وقدمه عمر ابن الخطاب وأثنى عليه بالفهم. (١) وزعمت الطائفة التاريخية أنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعا في القول» ثم رد هذه الأكاذيب وأحال في تفصيل الرد على كتاب له اسمه (سراج الدين).

وبعد فإن صحائف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت كقلوبهم نقاء وسلامة وطهرا. وما نتمناه من تمحيص التاريخ أول ما يشترط له فيمن يتولاه أن يكون سليم الطوية لأهل الحق والخير، عارفا بهم كما لو كان معاصرا لهم، بارعا في التمييز بين حملة الأخبار: من عاش منهم بالكذب والدس والهوى، ومن كان منهم يدين لله بالصدق والأمانة والتحرز عن تشويه صحائف المجاهدين الفاتحين الذين لولاهم لكنا نحن وأهل أوطاننا جميعا لا نزال كفرة ضالين. (٢)


(١) واختصه بكتابه الشهير في القضاء وآدابه وقواعده.
(٢) وقد اقترح كاتب هذه الخاتمة على مشيخة الأزهر إعادة النظر في دراسة التاريخ الإسلامي. ولعل الله بوفق إلى ذلك فتعود الأمة إلى مواطن الأسوة الصالحة من ماضيها النقى الطاهر، والله المستعان.

<<  <  ج: ص: