للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا على الواحد قليل أيضا، فعلم أن المراد بالسبق من الآية عرفى أو إضافى شامل للجماعة الكثيرة لا حقيقي بدليل أن الآية الأخرى {السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} والقرآن يفسر بعضه بعضا. وأيضا ثبت بإجماع أهل السنة والشيعة أن أول من آمن حقيقة خديجة - رضي الله تعالى عنه -، (١) فلو كان مجرد السبق بالإيمان موجبا لصحة الإمامة لزم أن تكون سيدتنا المذكورة حرية بالإمامة، وهو باطل بالإجماع.

وإن قيل إن المانع كان متحققا في خديجة وهو الأنوثة قلنا كذلك في الأمير فقد كان المانع متحققا قبل وصول وقت إمامته، ولما ارتفع المانع صار إماما بالفعل، وذلك المانع هو إما وجود الخلفاء الثلاثة الذين كانوا أصلح في حق الرياسة بالنسبة إلى جنابه عند جمهور أهل السنة، أو إبقاؤه بعد الخلفاء الثلاثة وموتهم قبله عند التفضيلية فإنهم قالوا: لو كان إماما عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينل أحد من الخلفاء الإمامة وماتوا في عهده وقد سبق في علم الله تعالى أن الخلفاء أربعة فلزم الترتيب على الموت. وبالجملة تمسكات الشيعة بالآيات من هذا القبيل.

[(الأدلة الحديثية)]

وأما الأحاديث التي تمسك بها الشيعة على هذا المدعى فهي اثنا عشر حديثا:

الأول: حديث غدير خم المذكور عندهم بشأن عظيم ويحسبونه نصا قطعيا في هذا المدعى، حاصله أن بريدة بن الحصيب الأسلمي روى أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نزل بغديرخم حين المراجعة عن حجة الوداع - وهو موضوع بين مكة والمدينة - أخذ بيد علي وخاطب جماعة المسلمين الحاضرين فقال: يا معشر المسلمين ألست أولى من انفسكم؟ قالوا بلى. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. (٢) قالت الشيعة في تقرير الاستدلال بهذا الحديث: إن المولى بمعنى الأولى بالتصرف، وكونه أولى بالتصرف عين الإمامة. (٣)

ولا يخفى أن أول الغلط في الاستدلال هو إنكار أهل العربية قاطبة ثبوت ورود المولى بمعنى الأولى. بل قالوا لم يجئ قط المفعل بمعنى أفعل في موضع ومادة أصلا فضلا عن هذه المادة بالخصوص، إلا أن أبا زيد اللغوي جوز هذا متمسكا فيه بقول أبي عبيدة (٤) في تفسير {هي مولاكم} أولى بكم. (٥) لكن جمهور أهل العربية خطاؤه في هذا التجويز


(١) كما قال ابن إسحاق وغيره. ابن هشام، السيرة النبوية: ٢/ ٧٧؛ ابن حجر، الإصابة: ٧/ ٦٠٠. وعند الإمامية أيضا فقال ابن طاوس: «كان أول من آمنت خديجة بنت خويلد فواسته بمالها ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن سبع سنين ... ». الطرائف: ١/ ٢٧٥، وقال الأربلي: «وكان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة ... ». كشف الغمة: ١/ ١٧٧.
(٢) والحديث بهذا اللفظ ضعيف جدا كما حقق ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد: ٧/ ١٧؛ والعجلوني في كشف الخفاء: ٢/ ٣٦١؛ والكناني في مصباح الزجاجة: ١/ ١٩. وقال ابن تيمية: «حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال من كنت مولاه فعلى مولاه، وأما الزيادة وهي قوله: اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه ... الخ، فلا ريب انه كذب». منهاج السنة النبوية: ٧/ ٣١٩ ..
(٣) ابن المطهر الحلي، نهج الحق: ص ١٧٣.
(٤) معمر بن المثنى التميمي، توفي سنة ٢١١هـ. تاريخ بغداد: ١٣/ ٢٥٢؛ تذكرة الحفاظ: ١/ ٣٧١؛ تهذيب التهذيب: ١٠/ ٢٢١.
(٥) ابن الجوزي، زاد المسير: ٨/ ١٦٧.