للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الجملة الاستفهامية {ما لكم لا تناصرون} توبيخا وزجرا لا عن شيء آخر. ولهذا أجمع القراء على ترك الوقف على {مسئولون}. ولئن سلمنا صحة الرواية وفك النظم القرآني يكون المراد بالولاية المحبة، وهي لا تدل على الزعامة الكبرى التي هي محل النزاع. ولو كانت الزعامة الكبرى مرادة أيضا لم تكن هذه الرواية مفيدة للمدعى، لأن مفاد الآية وجوب اعتقاد إمامة الأمير في وقت من الأوقات وهو عين مذهب أهل السنة، وقد أورد الواحدي في تفسيره هذه الرواية وفيها المتن هكذا عن ولاية علي وأهل البيت، وظاهر أن جميع أهل البيت لم يكونوا أئمة عند الشيعة،، فتعين حمل الولاية على المحبة إذ الولاية لفظ مشترك ويتعين أحد المعنيين أو المعاني للمشترك بالقرائن الخارجية، وبالجملة إن السؤال عن محبة الأمير وإمامته قائل به أهل السنة ولا نزاع فيه بين الفريقين، وإنما النزاع في أن الأمير كان إماما بلا فصل ولم يكن أحد من الصحابة مستحقا للإمامة، ولا مساس لهذه الآية بهذا المطلب، فالتقريب غير تام.

ومنها {السابقون السابقون أولئك المقربون} قالت الشيعة: روى عن ابن عباس مرفوعا أنه قال: السابقون ثلاثة، فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين، والسابق إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -. (١) ولا يخفى أن هذا أيضا تمسك بالرواية، ومدار إسناد هذه الرواية على أبي الحسن الأشقر وهو ضعيف بالإجماع، قال العقيلي: وهو شيعي متروك الحديث، (٢) ولا يبعد أن يكون هذا الحديث موضوعا إذ فيه من إمارات الوضع أن صاحب ياسين لم يكن أول من آمن بعيسى بل برسله كما يدل عليه نص الكتاب، وكل حديث يناقض مدلول الكتاب في الأخبار والقصص فهو موضوع كما هو المقرر عند المحدثين. (٣) وأيضا انحصار السباق في ثلاثة رجال غير معقول فإن لكل نبي سابقا بالإيمان به لا محالة. وبعد اللتيا والتى أية ضرورة أن يكون كل سابق صاحب الزعامة الكبرى وكل مقرب إماما؟ وأيضا لو كانت هذه الرواية صحيحة لكانت مناقضة للأية صراحة، لأن الله تعالى قال في حق السابقين {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} والثلة هو الجمع الكثير (٤) ولا يمكن أن يطلق على الاثنين جمع


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ١١/ ٩٣، رقم ١١١٥٢، وأخرجه العقيلي في كتابه الضعفاء في ترجمة حسين بن حسن الأشقر: ١/ ٢٤٩. وقال عنه: «وهذا لا أصل له». والحديث فيه الأشقر الذي ضعفه الجمهور، نقل ابن عدي عن السعدي أنه قال: «غالٍ من الشاتمين» أي للصحابة: الكامل في ضعفاء الرجال: ٢/ ٣٦١؛ وقال ابن الجوزي: «كذاب»، ديوان الضعفاء والمتروكين: ١/ ٢٢١؛ وقال الذهبي: «رافضي»، المغني في الضعفاء: ١/ ١٧٠.
(٢) الضعفاء الكبير: ١/ ٢٤٩.
(٣) السيوطي، تدريب الراوي: ١/ ٢٧٧.
(٤) قال الآلوسي الجد: «والثلة في المشهور الجماعة كثرت أو قلت». روح المعاني: ٢٧/ ١٣٤. وفسر الطوسي الثلة بالجماعة في التبيان: ٩/ ٤٩٠.