للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب الحرج والتعديل. وفي هذا المقام فوائد تتعلق بالرواة تركناها لطولها، فراجع الأصل. (١)

[(الأدلة عند الشيعة)]

(تتمة): اعلم أن الأدلة عندهم أربعة: كتاب، وخبر، وإجماع، وعقل.

أما (الكتاب) فهو القرآن المنزل الذي لم يبق حقيقا بأن يستدل به بزعمهمم الفاسد، لأنه لا اعتماد على كونه قرآنا إلا إذا أخذ بواسطة الإمام المعصوم، وليس القرآن المأخوذ من الأئمة موجودا في أيديهم، والقرآن المعروف غير معتد به عند أئمتهم بزعمهم، (٢) وأنه لا يليق بالاستدلال به لوجهين:

الأول لما روى جماعة من الإمامية عن أئمتهم أن القرآن المنزل وقع فيه تحريف في كلماته عن مواضعها، بل قد أسقط منه بعض السور وترتيبه هذا أيضا غير معتد به لكونه متغيرا عن أصله، (٣) وما هو موجود الآن في أيدي المؤمنين هو مصحف عثمان الذي كتبه وأرسل منه سبع نسخ إلى أطراف العالم وألجأ الناس على قبوله وقراءته على ما رتبه وآذى من خالف ذلك، فلا يصح التمسك به ولا يعتمد على نظمه من العام والخاص والنص ونحوها، لأنه يجوز أن يكون هذا القرآن الذي بين أيدينا كله أو أكثره منسوخا بالآيات أو السور التي أسقطت منه أو مخصوصا بها.

الثاني أن نقله هذا القرآن مثل ناقلي التوراة والأنجيل، لأن بعضهم كانوا منافقين كالصحابة العظام والعياذ بالله تعالى، وبعضهم كانوا مداهنين في الدين كعوام الصحابة فإنهم تبعوا رؤساءهم أي بزعمهم طمعا في زخارف الدنيا، فارتدوا عن الدين كلهم إلا أربعة أو ستة، فغيروا خطاب الله تعالى، (٤) فجعلوا مثلا مكان «من المرافق»: {إلى المرافق} (٥) ومكان «أئمة هي أزكى»: {أمة هي أربى من أمة} (٦) فكما أن التوراة والإنجيل لا يعمل بهما أصلا فكذلك هذا القرآن، وكما أن التوراة والإنجيل نسخا بالقرآن المجيد فكذلك القرآن نسخت أشياء كثيرة منه ولا يعلم نواسخها إلا الأئمة الثلاثة. (٧)

وأما (الخبر) فقد مر بيانه مفصلا فتذكر. ثم إن ناقل الخبر إما من الشيعة أو غيرهم، ولا اعتبار لغيرهم أصلا لأن الصدر الأول من غيرهم الذي هو منتهى الأسانيد كانوا


(١) ينظر السيوف المشرقة: لوحة ٥١/أ.
(٢) فهناك قرآنا آخر عند القائم والمنتظر الغائب منذ أكثر من ألف ومائتين وخمسين سنة ولما يظهر لا هو ولا قرآنه، فقد أخرج الكليني عن سالم بن سلمة قال: «قرأ رجل على أبي عبد الله - عليه السلام - وأنا أسمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله - عليه السلام -: كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم - عليه السلام - قرأ كتاب الله عز وجل على حده، وأخرج (المصحف) الذي كتبه علي - عليه السلام - وقال: أخرجه علي - عليه السلام - إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله على محمد - عليه السلام - قد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم أبدا، إنما كان عليَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه». الكافي: ٢/ ٦٣٣.
(٣) مثاله قول الفيض الكاشاني: «إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، وإن النور نيف ومائة آية والحجر تسعون ومائة آية ... ». تفسير الصافي: ١/ ٣٧ - ٣٨؛ وينظر الطبرسي، الاحتجاج: ص ٥٣
(٤) هناك روايات كثيرة عندهم منها ما روى الطبرسي عن أبي ذر قال: «لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع علي - عليه السلام - القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فتحه أبو بكر خرج أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه - عليه السلام - وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قارئا للقرآن - فقال عمر: إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف كتابا ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتكا للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك ... ». الاحتجاج: ص ١٥٥ - ١٥٦.
(٥) روى الطوسي وغيره عن الهيثم بن عروة التميمي قال: «سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن قوله تعالى: {واغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} قال: ليس هكذا تنزيلها إنما تنزيلها: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق) ... ». تهذيب الأحكام: ١/ ٥٧؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ١/ ٤٠٦.
(٦) الكافي: ١/ ٢٩٢؛ تفسير القمي: ١/ ٣٨٩.
(٧) أخرج البخاري بإسناده عن عبد العزيز بن رفيع قال: «دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال له شداد بن معقل: أترك النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين، قال ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين». صحيح البخاري، في كتاب فضائل القرآن، باب من قال لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما بين الدفتين: ٤/ ١٩١٧. قال ابن حجر معلقا على الحديث: «هذه الترجمة للرد على من زعم أن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته، وهو شيء اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم أن التنصيص على إمامة علي واستحقاقه الخلافة عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ثابتا في القرآن، وأن الصحابة كتموه، وهي دعوى باطلة، لأنهم لم يكتموا: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى .. » وغيره من الظواهر التي قد يتمسك بها من يدعي إمامته، كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقه. وقد تلطف المصنف في الاستدلال على الرافضة بما أخرجه عن أحد أئمتهم، الذي يدعون إمامته، وهو محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب، فلو كان هناك شيء ما يتعلق بابيه، لكان أحق الناس بالاطلاع عليه، وكذلك ابن عباس فإنه ابن عم علي - رضي الله تعالى عنهما -، وأشد الناس له لزوما واطلاعا على حاله». فتح الباري: ٩/ ٦٥.