للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلافات فيما بينهم ولا يحسبونها في الفروع نقصانا للمختلفين فيها ولا يطاعنون ولا يعاتب فيها بعضهم بعضا. وكان كل واحد منهم في الزمن الأول يناظر ويحاجج في الفروع ويظهر مذهبه فيها ويقيم الدلائل عليه ويستنبط ويجتهد بلا مخافة ويضعف دلائل مخالفه جهرا. فأي شيء كان حاملا للأئمة على التقية في مسائل الفروع؟ ولقد ناظر الأمير في زمن الخليفة الثاني والثالث مناظرات كثيرة في بيع أمهات الأولاد وتمتع الحج ومسائل أخر حتى انجر الأمر من الجانبين إلى العنف ولم يتنفس أحد منهم ولا سيما الخليفة الثاني فإنه كان بزعم الشيعة في هذا الباب أكثر انقيادا (١) بحيث إذا ذكر أحد دليلا من الكتاب أو السنة بين يديه اعترف حتى ألزمته امرأة من نساء العوام في المغالاة بالمهر وهو صار معترفا وقائلا «كل الناس أفقه من عمر حتى المخدَّرات (٢) في الحجال» (٣)

وعد الشيعة هذه القصة في مطاعنه فالأمير لم يكن ليستعمل التقية في المسائل الفروعية ويترك إظهار الحكم المنزل من الله الذي كان واجبا عليه إظهاره في ذلك الحين. وأيضا إن الأئمة المتأخرين كالسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا - رضي الله تعالى عنهم - كانوا قدوة أهل السنة وأسوة لهم، وعلماؤهم كالزهري وأبي حنيفة ومالك أخذوا العلم منهم. وقد روى محدثو أهل السنة عنهم في كل فن لا سيما في التفسير أحاديث كثيرة فأي حاجة لهؤلاء الكرام أن يرتكبوا التقية مخافة هؤلاء الناس؟ وهذا الكلام وقع في البين ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول:

[(اختلاف الإمامية في أئمتهم)]

اعلم أن الإمامية قائلون بانحصار الأئمة ولكنهم مختلفون في مقدارهم فقال بعضهم خمسة (٤) وبعضهم سبعة (٥) وبعضهم ثمانية وبعضهم اثنا عشر (٦) وبعضهم ثلاثة عشر (٧) وقالت الغلاة الأئمة آلهة أولهم محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحسين ثم من صلح من أولاد الحسين إلى جعفر بن محمد وهو الإله الأصغر وخاتم الآلهة ثم من بعده نوابه وهم من صلح من أولاد جعفر. (٨) وذهبت فرقة منهم إلى أن الإمام في هذه الأمة اثنان: محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب، وغيرهما ممن كان لائقا لهذا الأمر من أولاد علي فهم نوابهما. (٩) وقالت الحلولية: إن الإمام من يحل فيه الإله وجرى بينهم اختلاف فقال الكيسانية: إن الإمام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - علي ثم محمد بن الحنفية. (١٠) وقالت المختارية منهم: إن الإمام بعد علي


(١) كما أورد ابن المطهر الحلي في نهج الحق: ص ٢٧٧ ويأتي الرد.
(٢) قال ابن الأثير: «الخدر: ناحية في البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية خدرت فيه مخدرة». النهاية: ٢/ ١٣.
(٣) من روايات الإمامية كما في نهج الحق. ضعفها الهيثمي في مجمع الزوائد: ٤/ ٢٨٤؛ وقال عنها البيهقي هي رواية منقطعة: ٧/ ٢٤٤ ..
(٤) وهم الذمية. الفرق بين الفرق: ص٢٣٨؛ التبصير في الدين: ص ١٢٩؛ الملل والنحل: ١/ ١٧٦؛ المواقف: ص ٦٧٣.
(٥) هم فرقة السبعية من الإسماعيلية. اعتقادات فرق المسلمين: ص٨٠؛ تلبيس إبليس: ص١٢٥؛ منهاج السنة النبوية: ٣/ ٤٨١.
(٦) غالبية الشيعة اليوم.
(٧) ويسمون الجعفرية، فهم يجعلون بعد الحسن العسكري أخاه جعفرا.
(٨) مقالات الإسلاميين: ص ١٤؛ الفرق بين الفرق: ص ٢٤٢.
(٩) يشبه قول الزيدية. الملل والنحل: ١/ ٢٩.
(١٠) مقلات الإسلاميين: ص ١٩؛ اعتقادات فرق المسلمين: ص ٦٢؛ الفرق بين الفرق: ص