للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال علي بن موسى بن طاوس (١) سبط محمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة: إن امير المؤمنين كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة، فما أجابه إلا رجلان، فيتنفس الصعداء وقال: أين يقعان! ثم قال ابن طاوس: إن هؤلاء خذلوه مع اعتقادهم فرض طاعته وأنه صاحب الحق، وأن الذين ينازعونه على الباطل. وكان - عليه السلام - يداريهم ولكن لا تجديه المداراة نفعا. وقد سمع قوما من هؤلاء ينالون منه في مسجد الكوفة ويستخفون به فأخذ بعضادتي الباب وأنشد متمثلا: (٢)

هنيئا مريئا غيرَ داء مخامِر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت

فيئس منهم كلهم، ودعا على هؤلاء الذين يدعون أنهم شيعة بقوله «قاتلكم الله وقبحا لكم وترحا» ونحوها. وكذا حلف على أن لا يصدق قولهم أبدا. ووصفهم في مواضيع كثيرة بالعصيان لأوامره وعدم استماعهم وقبولهم لكلامه، وأظهر البراءة من رؤيتهم. وهؤلاء لم يكن لهم وظيفة سوى الحط على حضرة الأمير كرم الله تعالى وجهه وذمهم له وحاشاه. وقد علم أيضا أن شيعة ذلك الوقت كانوا كلهم مشتركين في هذه الأحوال، وداخلين في هذه المساوئ إلا رجلين منهم، فإذا كان حال الصدر الأول والقرن الأفضل الذين هم قدوة لمن خلفهم من بعدهم وأسوة لأتباعهم ما سمعت ذكره، فكيف بأتباعهم! فويل لهم ما يكسبون

[الطبقة الثالثة]

هم الذي تبعوا السيد المجتبى السبط الأكبر وقرة عين التبول الإمام الحسن - رضي الله تعالى عنه -، بعد شهادة الأمير كرم الله تعالى وجهه، وبايعه منهم قدر أربعين ألفا على الموت، ورغبوه في قتال معاوية وخرجوا إلى خارج الكوفة، وكان قصدهم إيقاعه في ورطة الهلاك، وقد أزعجوه في اثناء الطريق بطلب وظائفهم منه، وظهر منهم في حقه من سوء الأدب ما ظهر، كما فعل المختار الثقفى من جر مصلاه من تحت قدمه المباركة، وهو الذي كان يعد نفسه من اخص شيعته، وكطعن آخر بالسنان فخذ الإمام - رضي الله تعالى عنه - حتى تألم منه ألما شديدا. فلما قامت الحرب على ساق وتحققت المقاتلة،


(١) هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد المعروف بابن طاووس، من مشاهير علماء الإمامية ومؤلفيهم، ولي نقابة الطالبيين بعد استحلال هولاكو لبغداد بتوصية نصير الدين الطوسي، رغم أنه امتنع عنها في عهد المستنصر العباسي، مات سنة ٦٤٤هـ. طبقات أعلام الشيعة: ص ١١٦؛ الذريعة: ٢/ ٣٤٣؛ الأعلام: ٥/ ٢٦.
(٢) روى ابن أبي الحديد أن الشعبي مر بقوم يغتابونه في المسجد فأخذ بعضاتي الباب ... الخ، والرواية ليست للأمير لأن البيت من قول كثير عزة الذي عاش في زمن بني أمية بعد وفاة الأمير.