للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الخامس في الإمامة]

وفيه ست تنبيهات

التنبيه الأول: اعلم أن أول ما اختلف فيه من مسائل هذا الباب كون نصب الإمام واجبا على العباد أو على الله تعالى. فأهل السنة على الأول، والشيعة على الثاني. (١) والفطرة شاهدة للأول إذ كل فرقة تقرر لأنفسهم رئيسا من بينهم، وكذا الشرع أيضا إذ الشارع قد أوضح شرائط الإمام وأوصافه ولوازمه بوجه كلي كما هو شأنه في الأمور الجبلية كالنكاح ولوازمه مثلا. وأيضا لا معنى للوجوب عليه تعالى بل هو مناف للألوهية والربوبية كما هو مقرر في محله. (٢) وأيضا كل ما يتعلق بوجود الرئيس من أمور المكلفين - من إقامة الحدود والجهاد وتجهيز الجيوش إلى غير ذلك - واجب عليهم، فلا بد وأن يكون نصب الرئيس واجبا عليهم، لأن مقدمة ما يجب على أحد واجبة عليه. ألا ترى أن الوضوء وتطهير الثوب وستر العورة واجب على المصلي كالصلاة، لا عليه تعالى، وهذا ظاهر. (٣) وأيضا إن تأملنا علمنا أن نصب الإمام من قبل الباري يتضمن مفاسد كثيرة، لأن آراء العالم مختلفة وأهواء نفوسهم متفاوتة، ففي تعيين رجل لتمام العالم في جميع الأزمنة إلى منتهى بقاء الدنيا إيجاب لتهييج الفتن، وجر لأمر الإمامة على التعطيل ودوام الخوف والتزام الاختفاء كما وقع للجماعة الذين يعتقد الشيعة إمامتهم، فمع هذا قولهم «نصب الإمامة لطف» في غاية السفاهة يضحك عليه، إذ لو كان لطفا لكان بالتأييد والإظهار لا بغلبة المخالفين والانتصار، فإذا لم يكن التأييد في البين، لم يكن النصب لطفا كما يظهر لذي عينين.

وما أجاب عنه بعض الإمامية - بأن وجود الإمام لطف، وتصرفه وتمكينه لطف آخر، (٤) وعدم تصرف الأئمة إنما هو من فساد العباد وكثرة الفساد، فإنهم خوفوهم ومنعوهم بحيث تركوا من خوفهم على أنفسهم إظهار الأمامة، وإذا ترك الناس نصرتهم لسوء اختيارهم فلا يلزم قباحة


(١) قال الطوسي: «الإمام لطف فيجب نصبه على الله تعالى تحصيلا للغرض». كشف المراد في شرح صحيح الاعتقاد: ص ٣٦٧. وقال المجلسي: «إن وجود الإمام لطف باتفاق جميع العقلاء، وأنه لا بد أن يكون معصوما ... ». بحار الأنوار: ٥١/ ٢١٣.
(٢) قال الآلوسي الجد في نهج السلامة إلى مباحث الإمامة: «إن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - تسارعوا إلى نصب الإمام حتى قدموه على تجهيزه ودفنه - عليه الصلاة والسلام -، وتبعهم عليه سائر الأمة في كل زمان، عقيب موت السلطان ... » وقال «إن نصب الإمام دفع ضرر عام مظنون، وكل ضرر عام مظنون يجب على العباد دفعه إن قدروا عليه إجماعا، ولا يخفى أن بعض هذه الأوجه لا يثبت أكثر من الوجوب».
(٣) روى ابن بابويه القمي في باب أن الإمامة عهد من الله تعالى عن علي بن فضال قال: «سأل إسماعيل بن عمار أبا الحسن الأول - عليه السلام - فقال له: فرض الله على الإمام أن يوصي قبل أن يخرج من الدنيا ويعهد؟، فقال: نعم، قال فريضة من الله؟ فقال نعم». الإمامة والتبصرة: ص ٣٧.
(٤) وإليه ذهب ابن المطهر الحلي في كتابه الألفين: ص ٢١.