للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في كونه واجبا عليه تعالى، والاستتار والخوف من سنن الأنبياء فقد اختفى - صلى الله عليه وسلم - في الغار خوفا من الكفار (١) - ففيه غفلة عن المقدمات المأخوذة في الاعتراض، إذ المعترض يقول: الوجود بشرط التصرف والنصرة لطف، وبدونه متضمن لمفاسد. فالواجب في الجواب التعرض لدفع لزوم المفاسد، ولم يتعرض له كما لا يخفى. وأيضا يرد على القائل بكونه لطفا آخر ترك الواجب عليه تعالى، وهذا أقبح من ترك النصب. وأيضا يقال عليه: هذا اللطف الآخر إما من لوازم النصب أو لا، فعلى الأول لزم من تركه ترك النصب لن ترك اللازم يستلزم ترك الملزوم.

وأيضا ما ذكره من تخويف الناس للأئمة غير مسلم، وهذه كتب التواريخ المعتبرة في البين. وأيضا التخويف الموجب للاستتار إنما هو إذا كان بالقتل، وهذا لا يتصور في حق الأئمة لأنهم يموتون باختيارهم كما أثبت ذلك الكليني في الكافي وبوب له. (٢) وأيضا لا يفعل الأئمة أمرا إلا بإذنه تعالى، فلو كان الاختفاء بأمره تعالى وقد مضت مدة والخفاء هو الخفاء، فلا لطف بلا امتراء. (٣)

وأيضا إن كان واجبا للتخويف لزم ترك الواجب في حق الذين لم يكونوا كذلك كزكريا (٤) ويحيى (٥) والحسين، (٦) وإن لم يكن واجبا بأن كان مندوبا لزم على من اختفى ترك الواجب الذي هو التبليغ لأجل مندوب، وهو فحش. وإن كان أمر الله تعالى مختلفا بأن كان في حق التاركين بالندب مثلا وفي حق المستترين بالفرض لزم ترك الأصلح الواجب بزعم الشيعة في أحد الفريقين، وهو باطل. (٧) ولا يمكن أن يقال الأصلح في حق كل ما فعل، لأنا نقول إن الإمام بوصف الأمامة لا يصح اختلاف وصفه كالعصمة، لأن اختلاف اللوازم يستلزم اختلاف الملزومات، فيلزم أن


(١) وهذا ما قاله الطوسي: «أليس النبي صلى الله عليه وآله اختفى في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد، واختفى في الغار ثلاثة أيام ولم يجز قياسا على ذلك أن يعدمه الله تعالى تلك المدة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفا لهم. ومتى قالوا: إنما اختفى بعدما دعا إلى نفسه وأظهر نبوته فلما أخافوه استتر. قلنا: وكذلك الإمام لم يستتر إلا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته، ودلو عليه، ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي ... ». كتاب الغيبة: ص ١٤.
(٢) في ص ٦٢ من طبعة إيران سنة ١٢٨٧ وعنوان الباب «باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم» وكتاب الكافي للكليني عند هذه الطائفة بمنزلة صحيح البخاري عند المسلمين.
(٣) وفي بخاريهم الذى يسمونه الكافي للكليني (١/ ٢٧٩) ص ٦٨ باب مستقل عنوانه «باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلونه إلا بعهد من الله وأمر لا يتجاوزونه».
(٤) قال ابن كثير عن زكريا: اختلفت الرواية عن وهب بن منبه هل مات زكريا - عليه السلام - موتا أو قتلا؟ على روايتين ... منها قول وهب بن منبه إنه هرب من قومه فدخل شجرة فجاؤوا فوضعوا المنشار عليهما، فلما وصل المنشار إلى أضلاعه أنَّ فأوحى الله إليه: لئن لم يسكن أنينك لأقلبن الأرض ومن عليها فسكن أنينه حتى قطع باثنين، وروي عنه ابن منبه أيضا أنه قال: إن الذي انصدعت له الأرض هو أشعيا، فأما زكريا فمات موتا. قصص الأنبياء: ص ٥٤٩.
(٥) قال ابن كثير: ذكروا في مقتل يحيى - عليه السلام - أسبابا أشهرها: «أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق، كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى - عليه السلام - عن ذلك فبقي في نفسه منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها، فبعث إليه من قتله وجاء برأسه ودمه في طست إلى عندها فيقال: إنها هلكت من فورها وساعتها». قصص الأنبياء: ص ٥٥١.
(٦) وفي الحديث: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى عليهما السلام». المسند: ٢/ ١٤٨؛ الطبراني، المعجم الكبير: ٣/ ٣٦؛ وصححه في صحيح الجامع ٣١٨١.
(٧) روى ابن بابويه عن عيسى الخشاب قال: «قلت للحسين بن علي - عليه السلام -: أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: لا ولكن صاحب هذا الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه المكنى بعمه يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر». كمال الدين: ص ٣١٨؛ المجلسي بحار الأنوار: ٥١/ ١٣٣.